سورة الملك
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٥جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٦
٢٩٦
﴿تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍا فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ اْرجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِا وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ﴾.
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ضرب للكفار بتينك المرأتين المحتوم لهما بالشقاوة، وإن كانتا تحت نبيين، ومثلا للمؤمنين بآسية ومريم، وهما محتوم لهما بالجنة، وإن كان قوماهما كافرين. كان ذلك تصرّفاً في ملكه على ما سبق قضاؤه، فقال :﴿تَبَارَكَ﴾ : أي تعالى وتعاظم، ﴿الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ : وهو كناية عن الإحاطة والقهر، وكثيراً ما جاء نسبة اليد إليه تعالى كقوله :﴿فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِا مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾، ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾، وذلك في حقه تعالى استعارة لتحقيق الملك، إذ كانت في عرف الآدميين آلة للتملك، والملك هنا هو على الإطلاق لا يبيد ولا يختل. وعن ابن عباس : ملك الملوك لقوله تعالى :﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾، وناسب الملك ذكر وصف القدرة والحياة ما يصح بوجوده الإحساس. ومعنى ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ﴾ : إيجاد ذلك المصحح وإعدامه، والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون، وسمى علم الواقع منهم باختيارهم بلوى وهي الحيرة، استعارة من فعل المختبر. وفي الحديث أنه فسر ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ : أي أحسن عقلاً وأشدّكم خوفاً وأحسنكم في أمره ونهيه نظراً، وإن كان أقلكم تطوعاً. وعن ابن عباس والحسن والثوري : أزهدكم في الدنيا. وقيل : كنى بالموت عن الدنيا، إذ هو واقع فيها، وعن الآخرة بالحياة من حيث لا موت فيها، فكأنه قال : هو الذي خلق الدنيا والآخرة، وصفهما بالمصدرين، وقدّم الموت لأنه أهيب في النفوس. وليبلوكم متعلق بخلق. ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ مبتدأ وخبر، فقدر الحوفي قبلها فعلاً تكون الجملة في موضع معموله، وهو معلق عنها تقديره : فينظر، وقدّر ابن عطية فينظر أو فيعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٦
وقال الزمخشري : فإن قلت : من أين تعلق قوله :﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ بفعل البلوى ؟ قلت : من حيث أنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل : ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا قلت : علمته أزيد أحسن عملاً أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه، كما تقول : علمته هو أحسن عملاً. فإن قلت : أيسمى هذا تعليقاً ؟ قلت : لا، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسدّ المفعولين جميعاً، كقولك : علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق. ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدّراً بحرف الاستفهام وغير مصدّر به ؟ ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان، كما افترقتا في قولك : علمت أزيد منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً. انتهى. وأصحابنا يسمون ما منعه الزمخشري تعليقاً، فيقولون في الفعل إذا عدى إلى اثنين
٢٩٧
ونصب الأول، وجاءت بعده جملة استفهامية، أو بلام الابتداء، أو بحرف نفي، كانت الجملة معلقاً عنها الفعل، وكانت في موضع نصب، كما لو وقعت في موضع المفعولين وفيها ما يعلق الفعل عن العمل. وقد تقدّم الكلام على مثل هذه الجملة في الكهف في قوله تعالى :﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾، وانتصب ﴿طِبَاقًا﴾ على الوصف السبع، فإما أن يكون مصدر طابق مطابقة وطباقاً لقولهم : النعل خصفها طبقاً على طبق، وصف به على سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف، أي ذا طباق ؛ وإما جمع طبق كجمل وجمال، أو جمع طبقة كرحبة ورحاب، والمعنى : بعضها فوق بعض.
وما ذكر من مواد هذه السموات. فالأولى من موج مكفوف، والثانية من درّة بيضاء، والثالثة من حديد، والرابعة من نحاس، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من زمردة بيضاء يحتاج إلى نقل صحيح، وقد كان بعض من ينتمي إلى الصلاح، وكان أعمى لا يبصر موضع قدمه، يخبر أنه يشاهد السموات على بعض أوصاف مما ذكرنا. ﴿مِن تَفَاوُتٍ﴾، قال ابن عباس : من تفرّق. وقال السدّي : من عيب. وقال عطاء بن يسار : من عدم استواء. وقال ثعلب : أصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئاً من الخلل. وقيل : من اضطراب. وقيل : من اعوجاج. وقيل : من تناقض. وقيل : من اختلاف. وقيل : من عدم التناسب والتفاوت، تجاوز الحد الذي تجب له زيادة أو نقص. قال بعض الأدباء :
تناسبت الأعضاء فيه فلا ترىبهن اختلافاً بل أتين على قدر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٦