سورة النازعات
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٥
٤١٦
أغرق في الشيء : بالغ فيه وأنهاه، وأغرق النازع في القوس : بلغ غاية المد حتى ينتهي إلى النصل. والاستغراق : الاستيعاب، والغرقى : قشرة البيضة. نشط البعير والإنسان ربطه وأنشطه : حله، ومنه : وكأنما أنشط من عقال. ونشط : ذهب من قطر إلى قطر، ولذلك قيل لبقر الوحش النواشط، لأنهن يذهبن بسرعة من مكان إلى مكان، ومنه قول الشاعر، وهو هميان بن قحافة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
أرى همومي تنشط المناشطا لشام بي طوراً وطوراً واسطا
وكأن هذه اللفظة مأخوذة من النشاط. وقال أبو زيد : نشطت الحبل أنشطه نشطاً : عقدته أنشوطة، وأنشطته : حللته، وأنشطت الحبل : مددته. وقال الليث : أنشطته بأنشوطة : أي وثقته، وأنشطت العقال : مددت أنشوطته فانحلت، ويقال : نشط بمعنى أنشط، والأنشوطة : عقدة يسهل إنحلالها إذا جدبت كعقدة التكة. وجف القلب وجيفاً : اضطرب من شدّة الفزع، وكذلك وجب وجيباً. وفي كتاب لغات القرآن المروي عن ابن عباس، واجفة : خائفة، بلغة همدان. الحافرة، يقال : رجع فلان في حافرته : أي في طريقه التي جاء منها، فحفرها : أي أثر فيها بمشيه فيها، جعل أثر قدميه حفراً، وتوقعها العرب على أول أمر يرجع إليه من آخره، ومنه قول الشاعر :
أحافرة على صلع وشيبمعاذ الله من سفه وعار
أي : أأرجع إلى الصبا بعد الصلع والشيب ؟ الناخرة : المصوتة بالريح المجوّفة، والنخرة بمعناها، كطامع وطمع، وحاذر وحذر، قاله الفراء وأبو عبيد وأبو حاتم وجماعة. وقيل : النخرة : البالية المتعفنة الصائرة رميماً. نخر العود والعظم : بلي وتفتت، فمعناه مغاير للناخرة، وهو قول الأكثرين. وقال أبو عمرو بن العلاء : الناخرة : التي لم تنخر بعد، والنخرة : التي قد بليت. قال الراجز لفرسه :
أقدم أخانهم على الأساورهولا تهولنك رؤوس نادره
فإنما قصرك ترب الساهرهحتى تعود بعدها في الحافره
من بعد ما صرت عظاماً ناخره
وقال الشاعر :
وأخليتها من مخها فكأنهاقوارير في أجوافها الريح تنخر
ويروى : تصفر ونخرة الريح، بضم النون : شدّة هبوبها، والنخرة أيضاً : مقدم أنف الفرس والحمار والخنزير، يقال : هشم نخرته. الساهرة : وجه الأرض والفلاة، وصفت بما يقع فيها وهو السهر للخوف. وقال أمية بن أبي الصلت :
وفيها لحم ساهرة وبحروما فاهوا به لهم مقيم
وقال أبو بكر الهذلي :
يرتدن ساهرة كأن جميمهاوعميمها أسداف ليل مظلم
والساهور كالغلاف للقمر يدخل فيه إذا كسف. وقال أمية بن أبي الصلت :
٤١٧
وبث الخلق فيها إذ دحاهافهم قطانها حتى التنادي
وقيل : دحاها : سواها، قال زيد بن عمرو :
وأسلمت وجهي لمن أسلمتله الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدّهابأيد وأرسى عليها الجبالا
الطامّة : الدّاهية التي تطم على الدّواهي، أي تعلو وتغلب. وفي أمثالهم : أجرى الوادي فطمّ على القرى، ويقال : طمّ السيل الركية إذا دفنها، والطم : الدّفن والعلو.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يومئذ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ * أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّه بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّه طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الايَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الاخِرَةِ وَالاولَى * إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾.
هذه السورة مكية. ولما ذكر في آخر ما قبلها الإنذار بالعذاب يوم القيامة، أقسم في هذه على البعث يوم القيامة. ولما كانت الموصوفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها، وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة اختلفوا في المراد بها، فقال عبد الله وابن عباس ؛ : الملائكة تنزع نفوس بني آدم، و﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ : إغراقاً، وهي المبالغة في الفعل، أو غرق في جهنم، يعني نفوس الكفار، قاله عليّ وابن عباس. وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة وابن كيسان والأخفش : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. وقال السدّي وجماعة : تنزع بالموت إلى ربها، وغرقاً : أي إغراقاً في الصدر. وقال السدي أيضاً : النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها، ولها نزع عند الموت. وقال عطاء وعكرمة : القسي أنفسها تنزع بالسهام. وقال عطاء أيضاً : الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقاً. وقال مجاهد : المنايا تنزع النفوس. وقيل : النازعات : الوحش تنزع إلى الكلأ، حكاه يحيى بن سلام. وقيل : جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب، قاله في الكشاف.


الصفحة التالية
Icon