﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ﴾، يقال : ضلل كيدهم، إذا جعله ضالاً ضائعاً. وقيل لامرىء القيس الضليل، لأنه ضلل ملك أبيه، أي ضيعه. وتضييع كيدهم هو بأن أحرق الله تعالى البيت الذي بنوه قاصدين أن يرجع حج العرب إليه، وبأن أهلكهم لما قصدوا هدم بيت الله الكعبة بأن أرسل عليهم طيراً جاءت من جهة البحر، ليست نجدية ولا تهامية ولا حجازية سوداء. وقيل : خضراء على قدر الخطاف. وقرأ الجمهور :﴿أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم﴾ بالتاء، والطير اسم جمع بهذه القراءة، وقوله :
كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد
وتذكر كقراءة أبي حنيفة وابن يعمر وعيسى وطلحة في رواية عنه : يرميهم. وقيل : الضمير عائد على ﴿رَبُّكَ﴾. ﴿بِحِجَارَةٍ﴾ ؛ كان كل طائر في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، كل حجر فوق حبة العدس ودون حبة الحمص، مكتوب في كل حجر اسم مرميه، ينزل على رأسه ويخرج من دبره. ومرض أبرهة، فتقطع أنملة أنملة، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت أبو مكسوم وزيره، وطائره يتبعه حتى وصل إلى النجاشي وأخبره بما جرى للقوم، فرماه الطائر بحجره فمات بين يدي الملك. وتقدم شرح سجيل في سورة هود، والعصف في سورة الرحمن. شبهوا بالعصف ورق الزرع الذي أكل، أي وقع فيه الأكال، وهو أن يأكله الدود والتبن الذي أكلته الدواب وراثته. وجاء على آداب القرآن نحو قوله :﴿كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾، أو الذي أكل حبه فبقي فارغاً، فنسبه أنه أكل مجاز، إذ المأكول حبه لا هو. وقرأ الجمهور :﴿مَّأْكُول﴾ : بسكون الهمزة وهو الأصل، لأن صيغة مفعول من فعل. وقرأ أبو الدرداء، فيما نقل ابن خالويه : بفتح الهمزة اتباعاً لحركة الميم وهو شاذ، وهذا كما اتبعوه في قولهم : محموم بفتح الحاء لحركة الميم. قال ابن إسحاق : لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشاً وقالوا : أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوّهم، فكان ذلك نعمة من الله تعالى عليهم. وقيل : هو إجابة لدعاء الخليل عليه الصلاة والسلام.
٥١٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١١
سورة قريش
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٢قريش : علم اسم قبيلة، وهم بنو النضر بن كنانة، فمن كان من بني النضر فهو من قريش دون بني كنانة. وقيل : هم بنو فهر بن مالك بن النضر، فمن لم يلده فهر فليس بقرشي. قال القرطبي : والقول الأول أصح وأثبت، وسموا بذلك لتجمعهم بعد التفرق، والتقريش : التجمع والالئتام، ومنه قول الشاعر :
إخوة قرشوا الذنوب علينافي حديث من دهرهم وقديم
كانوا متفرقين في غير الحرم، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكناً، ومنه قوله :
أبونا قصي كان يدعى مجمعابه جمع الله القبائل من فهر
وقال الفراء : التقرش : التكسب، وقد قرش يقرش قرشاً، إذا كسب وجمع، ومنه سميت قريش. وقيل : كانوا يفتشون على ذي الخلة من الحاج ليسدوها، والقرش : التفتيش، ومنه قول الشاعر :
أيها الناطق المقرش عناعند عمرو وهل لذاك بقاء
وسأل معاوية بن عباس : بم سميت قريش قريشاً ؟ فقال : بدابة في البحر أقوى دوابه يقال لها القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، ومنه قول تبع :
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك فيها لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حيّ قريشيأكلون البلاد أكلاً كميشا
ولهم آخر الزمان نبييكثر القتل فيهم والخموشا
وفي الكشاف : دابة تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار. فإن كان قريش من مزيد فيه فهو تصغير ترخيم، وإن كان من ثلاثي مجرد فهو تصغير على أصل التصغير. الشتاء والصيف فصلان معروفان من فصول السنة الأربعة، وهمزة الشتاء مبدلة من واو، قالوا : شتا يشتو، وقالوا : شتوة، والشتاء مفرد وليس بجمع شتوة.
﴿لايلَافِ قُرَيْشٍ * إِالَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذا الْبَيْتِ * الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْف﴾.
هذه السورة مكية في قول الجمهور، مدنية في قول الضحاك وابن السائب. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة، ولا سيما أن جعلت اللام متعلقة بنفس فجعلهم، وهو قول الأخفش، أو بإضمار فعلنا ذلك لإيلاف قريش، وهو مروي عن الأخفش حتى تطمئن في بلدها. فذكر ذلك للامتنان عليهم، إذ لو سلط عليهم أصحاب الفيل لتشتتوا في البلاد والأقاليم، ولم تجتمع لهم كلمة. قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبي سورة واحدة بلا فصل. وعن عمر : أنه قرأهما في الثانية من صلاة
٥١٣
المغرب، وقرأ في الأوليين : والتين، والمعنى أنه أهلك أهل الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيبوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتهم، انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٣