سورة المسد
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٣الحطب معروف، ويقال : فلان يحطب على فلان إذا وشى عليه. الجيد : العنق. المسد : الحبل من ليف، وقال أبو الفتح : ليف المقل، وقال ابن زيد : هو شجر باليمن يسمى المسد، انتهى. وقد يكون من جلود الإبل ومن أوبارها. قال الراجز :
ومسد أمر من أيانق
ورجل ممسود الخلق : أي مجدوله شديده.
﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُه وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد﴾.
٥٢٤
هذه السورة مكية. ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله تعالى، أتبع بذكر من لم يدخل في الدين، وخسر ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإيمان. وتقدم الكلام على التباب في سورة غافر، وهنا قال ابن عباس : خابت، وقتادة : خسرت، وابن جبير : هلكت، وعطاء : ضلت، ويمان بن رياب : صفرت من كل خير، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. وقالوا فيما حكى إشابة : أم تابة : أي هالكة من الهرم والتعجيز. وإسناد الهلاك إلى اليدين، لأن العمل أكثر ما يكون بهما، وهو في الحقيقة للنفس، كقوله :﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾. وقيل : أخذ بيديه حجراً ليرمي به الرسول صلى الله عليه وسلّم، فأسند التب إليهما. والظاهر أن التب دعاء، وتب : إخبار بحصول ذلك، كما قال الشاعر :
جزاني جزاه الله شرّ جزائهجزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ويدل عليه قراءة عبد الله : وقد تب. روي أنه لما نزل :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقْرَبِينَ﴾، قال :"يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، لا أغني لكما من الله شيئاً، سلاني من مالي ما شتئما". ثم صعد الصفا، فنادى بطون قريش :"يا بني فلان يا بني فلان". وروي أنه صاح بأعلى صوته :"يا صباحاه". فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم :"أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي ؟" قالوا : نعم، قال :"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا ؟ فافترقوا عنه، ونزلت هذه السورة. وأبو لهب اسمه عبد العزى، ابن عم المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقرأ ابن محيصن وابن كثير : أبي لهب بسكون الهاء، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب، لأنها فاصلة، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة. قال الزمخشري : وهو من تغيير الأعلام، كقولهم : شمس مالك بالضم. انتهى، يعني : سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس، ويعني في قول الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٤
وإني لمهد من ثنائي فقاصدبه لابن عمي الصدق شمس بن مالك
فأما في لهب، فالمشهور في كنيته فتح الهاء، وأما شمس بن مالك، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع، كما جاء أذناب خيل شمس. قيل : وكنى بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم ؛ أو لأن مآله إلى النار، فوافقت حالته كنيته، كما يقال للشرير : أبو الشر، وللخير أبو الخير ؛ أو لأن الاسم أشرف من الكنية، فعدل إلى الأنقص ؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحداً منهم.
والظاهر أن ما في ﴿مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ﴾ نفي، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته، وما كسب من نسلها ومنافعها، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به. ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب، أي : أيّ شيء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإنكار ؟ والمعنى : أين الغني الذي لماله ولكسبه ؟ والظاهر أن ما في قوله :﴿وَمَا كَسَبَ﴾ موصولة، وأجيز أن تكون مصدرية. وإذا كانت ما في ﴿مَآ أَغْنَى ﴾ استفهاماً، فيجوز أن تكون ما في ﴿وَمَا كَسَبَ﴾ استفهاماً أيضاً، أي : وأي شيء كسب ؟ أي لم يكسب شيئاً. وعن ابن عباس :﴿وَمَا كَسَبَ﴾ ولده.