سورة النساء
مائة وسبعون وست آيات مدنية
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة ٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالاٌّ رْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
اعلم أن هذه السورة مشتملة على أنواع كثيرة من التكاليف وذلك لأنه تعالى أمر الناس في أول هذه السورة بالتعطف على الأولاد والنساء والأيتام والرأفة بهم وإيصال حقوقهم اليهم وحفظ أموالهم عليهم وبهذا المعنى ختمت السورة وهو قوله يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَة ِ ( النساء ١٧٦ ) وذكر في أثناء هذه السورة أنواعا أخر من التكاليف وهي الأمر بالطهارة والصلاة وقتال المشركين ولما كانت هذه التكاليف شاقة على النفوس لثقلها على الطباع لا جرم افتتح السورة بالعلة التي لأجلها يجب حمل هذه التكاليف الشاقة وهي تقوى الرب الذي خلقنا والاله الذي أوجدنا فلهذا قال تُفْلِحُونَ يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى روى الواحدي عن ابن عباس في قوله يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أن هذا الخطاب لأهل مكة وأما الأصوليون من المفسرين فقد اتفقوا على أن الخطاب عام لجميع المكلفين وهذا هو الأصح لوجوه أحدها أن لفظ الناس جمع دخله الألف واللام فيفيد الاستغراق وثانيها أنه تعالى علل الأمر بالاتقاء بكونه تعالى خالقاً لهم من نفس واحدة وهذه العلة عامة في حق جميع المكلفين بأنهم من آدم عليه السلام خلقوا بأسرهم وإذا كانت العلة عامة كان الحكم عاما وثالثها أن التكليف بالتقوى غير مختص بأهل مكة بل هو عام في حق جميع العالمين وإذا كان لفظ الناس عاما في الكل وكان الأمر بالتقوى عاما في الكل وكانت علة هذا التكليف وهي كونهم خلقوا من النفس الواحدة عامة في حق


الصفحة التالية
Icon