بَابٌ فِي الْمُسَافِرِ يَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ يَصُومُ رَمَضَانَ عَنْ وَاجِبِ غَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :" هُوَ عَمَّا نَوَى " فَإِنْ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا : أَنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ، وَالْأُخْرَى : أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ :" هُوَ عَنْ رَمَضَانَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا " وَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي الْمُقِيمِ إذَا نَوَى بِصِيَامِهِ وَاجِبًا غَيْرَهُ أَوْ تَطَوُّعًا :" إنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَيَجْزِيهِ " وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي امْرَأَةٍ صَامَتْ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا فَإِذَا هُوَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ :" أَجْزَأَهَا " وَقَالَا :" مَنْ صَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ تَطَوُّعًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَجْزَى عَنْهُ " وَقَالَ مَالِكُ وَاللَّيْثُ :" مَنْ صَامَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَمَضَانُ لَمْ يَجْزِهِ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ دَيْنًا وَلَا قَضَاءً لِغَيْرِهِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ لِرَمَضَانَ وَلَا لِغَيْرِهِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : نَبْتَدِئُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَلَامِ فِي الْمُقِيمِ يَصُومُ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا، فَنَقُولُ : الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلّ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ وَلَمْ يُخَصِّصْ صَوْمًا، فَهُوَ عَلَى سَائِرِ مَا يَصُومُهُ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ فِي كَوْنِهِ مُجْزِيًا عَنْ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الصَّائِمُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا غَيْرَ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا عَمَّا نَوَى دُونَ رَمَضَانَ، أَوْ يَكُونَ مُلْغًى لَا حُكْمَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ، أَوْ مُجْزِيًا عَنْ رَمَضَان ؛ فَلَمَّا كَانَ وُقُوعُهُ عَمَّا نَوَى وَكَوْنُهُ مُلْغًى مَانِعَيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصِّيَامُ خَيْرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ خَيْرًا لَهُ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُلْغًى، وَلَا عَمَّا نَوَى مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ.


الصفحة التالية
Icon