ذِكْرُ الْحِجَاجِ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ مَعًا مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ قَدْ أَبَانَ عَنْ حُكْمِهِ إذَا أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ " فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ، فَإِذَا كَانَ فِي مَضْمُونِ الْآيَةِ الْحُكْمُ بِجَوَازِ وُقُوعِ الِاثْنَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِهِمَا لَوْ أَوْقَعَهُمَا مَعًا ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
وَفِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ فَحَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِالثَّالِثَةِ بَعْدَ الِاثْنَتَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إيقَاعِهِمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَطْهَارٍ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِإِيقَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَوْقَعَهُ مِنْ مَسْنُونٍ أَوْ غَيْرِ مَسْنُونٍ وَمُبَاحٍ أَوْ مَحْظُورٍ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدَّمْت بَدِيًّا فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَيَانُ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعًا خِلَافُ الْمَسْنُونِ عِنْدَك، فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهَا فِي إيقَاعِهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُبَاحِ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا مِنْ إيقَاعِ الِاثْنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِغَيْرِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ الْمَنْدُوبَ إلَيْهِ وَالْمَسْنُونَ تَفْرِيقُهَا فِي الْأَطْهَارِ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْآيَةِ جَمِيعَ ذَلِكَ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ " طَلِّقُوا ثَلَاثًا فِي الْأَطْهَارِ وَإِنْ طَلَّقْتُمْ جَمِيعًا مَعًا وَقَعْنَ " كَانَ جَائِزًا ؟ فَإِذَا لَمْ يَتَنَافَ الْمَعْنَيَانِ وَاحْتَمَلَتْهُمَا الْآيَةُ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِمَا.
فَإِنْ قِيلَ : مَعْنَى


الصفحة التالية
Icon