وَاخْتُلِفَ فِي رَهْنِ الدَّيْنِ، فَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ :( لَا يَصِحُّ رَهْنُ الدَّيْنِ بِحَالٍ ).
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ :" إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَبِعْته بَيْعًا وَارْتَهَنْت مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ أَنْ يَرْتَهِنَ دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ حَائِزٌ لِمَا عَلَيْهِ " قَالَ :( وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الدَّيْنَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ وَيَبْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا وَيُرْهَنَ مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَيَقْبِضَ ذَلِكَ الْحَقَّ لَهُ وَيَشْهَدَ لَهُ ).
وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُ ؛ وَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ وَقَبْضُ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ مَا دَامَ دَيْنًا لَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ حَقٌّ لَا يَصِحُّ فِيهِ قَبْضٌ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى الْقَبْضُ فِي الْأَعْيَانِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو ذَلِكَ الدَّيْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ الْفَضْلِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ هُوَ رَهْنًا لِبَقَائِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْغَيْرِ أَبْعَدُ فِي الْجَوَازِ لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ فِيهِ وَالْقَبْضِ بِحَالٍ.


الصفحة التالية
Icon