بَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ قَالَ اللَّه تَعَالَى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : السَّفَرُ وَهُوَ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ، وَالْآخَرُ : الْخَوْفُ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْقَصْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا مَا هُوَ ؟ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :﴿ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاةَ الْحَضَرَ أَرْبَعًا وَصَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْخَوْفِ رَكْعَةً عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴾.
وَرَوَى يَزِيدُ الْفَقِيرُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةً رَكْعَةً ".
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَصَرَ الْعَدَدَ مِنْ أَرْبَعٍ إلَى ثِنْتَيْنِ.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :" قَصْرُهَا فِي الْخَوْفِ وَالْقِتَالِ وَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ حَالٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، فَأَمَّا صَلَاةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَلَاةُ النَّاسِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بِقَصْرٍ ".
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا قَدَّمْنَا فِي الْقَصْرِ، وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ :" إنَّمَا هُوَ قَصْرُ حُدُودِ الصَّلَاةِ وَأَنْ تُكَبِّرَ وَتَخْفِضَ رَأْسَك وَتُومِئَ إيمَاءً " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَأَوْلَى الْمَعَانِي وَأَشْبَهِهَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ فِي أَنَّهُ قَصْرٌ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى الْإِيمَاءِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ، وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى الْمَشْيُ فِي الصَّلَاةِ قَصْرًا ؛ إذْ كَانَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ يُفْسِدُهَا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُصَلِّيهِ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّي بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَمْضُونَ إلَى تُجَاهِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمَ