وَيُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ الْآيَةَ، عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ تَقْدِيمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عَلَى مَا يَرَى الْمُتَوَضِّئُ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :( لَا يُجْزِيهِ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ وَلَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ ).
وَهَذَا الْقَوْلُ مِمَّا خَرَجَ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَنْ إجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ :( مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت إذَا أَتْمَمْت وُضُوئِي )، وَلَا يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيمَا نَعْلَمُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ الْآيَةَ، يَدُلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ التَّرْتِيبِ : أَحَدُهَا مُقْتَضَى ظَاهِرِهَا جَوَازُ الصَّلَاةِ بِحُصُولِ الْغَسْلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ ؛ إذْ كَانَتْ ( الْوَاوُ ) هَهُنَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ ؛ قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ جَمِيعًا، وَقَالُوا : إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ :( رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا ) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ :( رَأَيْت الزَّيْدَيْنِ وَرَأَيْتهمَا ) وَكَذَلِكَ هُوَ فِي عَادَةِ أَهْلِ اللَّفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ :( رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا ) لَمْ يَعْتَقِدْ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ رَأَى زَيْدًا قَبْلَ عَمْرٍو، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا مَعًا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَمْرًا قَبْلَ زَيْدٍ ؟ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ.
وَقَدْ أَجْمَعُوا جَمِيعًا أَيْضًا فِي رَجُلٍ لَوْ قَالَ :( إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ وَعَلَيَّ صَدَقَةٌ ) أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الدَّارَ لَزِمَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لَا يَلْزَمُهُ أَحَدُهَا قَبْلَ الْآخَرِ ؛ كَذَلِكَ هَذَا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ


الصفحة التالية
Icon