قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَمُجَاهِدٍ قَالُوا :( صَيْدُهُ مَا صِيدَ طَرِيًّا بِالشِّبَاكِ وَنَحْوِهَا ).
فَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ قَالُوا :( مَا قَذَفَهُ مَيِّتًا ).
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَسَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ قَالُوا :( الْمَمْلُوحُ مِنْهُ ).
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ إبَاحَةَ الصِّنْفَيْنِ مِمَّا صِيدَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُصَدْ، وَأَمَّا الْمَمْلُوحُ فَقَدْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ ﴿ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾، وَيَكُونُ قَوْلُهُ :﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَكْرَارًا لِمَا انْتَظَمَهُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الطَّافِي لِأَنَّهُ قَدْ انْتَظَمَ مَا صِيدَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُصَدْ وَالطَّافِي لَمْ يُصَدْ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا تَأَوَّلَ السَّلَفُ قَوْلَهُ :﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ عَلَى مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا فَلَيْسَ بِطَافٍ وَإِنَّمَا الطَّافِي مَا يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ حَتْفَ أَنْفِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَالُوا مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فِيهِ ثُمَّ قَذَفَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أَرَادُوا بِهِ الطَّافِيَ.
قِيلَ لَهُ : وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا يَكُونُ طَافِيًا ؛ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْبَحْرِ بِسَبَبٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فَقَتْلِهِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ طَافِيًا ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي الطَّافِي فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ قَالَ : مَا وَرَاءَ بَحْرِكُمْ هَذَا كُلُّهُ الْبَحْرُ وَطَعَامُهُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالْحُبُوبُ رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ ؛ فَلَمْ يَجْعَلْ الْبَحْرَ فِي هَذَا


الصفحة التالية
Icon