فِي الظِّهَارِ بِغَيْرِ الْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا :" هُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ كَظَهْرِ فُلَانَةَ وَلَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا "، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ مَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ :" يَصِحُّ الظِّهَارُ بِالْمُحَرَّمِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ " وَلِلشَّافِعِيَّ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْأُمِّ.
وَالْآخَرُ : أَنَّهُ يَصِحُّ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمَّا صَحَّ الظِّهَارُ بِالْأُمِّ وَكَانَتْ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ الظِّهَارُ بِهِنَّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ فِي جِهَةِ التَّحْرِيمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الظِّهَارَ بِالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.
وَرُوِيَ نَحْوَ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ " إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَنْسَ أَنْ يَذْكُرَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ إنَّمَا الظِّهَارُ مِنْ الْأُمِّ " وَأَيْضًا لَمَّا قَالَ - تَعَالَى - ﴿ وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ الظِّهَارَ بِكُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ ؛ إذْ لَمْ يُخَصِّصْ الْأُمَّ دُونَ غَيْرِهَا وَمَنْ قَصَرَهُ عَلَى الْأُمِّ فَقَدْ خَصَّ بِلَا دَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا قَالَ - تَعَالَى - ﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الظِّهَارَ بِالْأُمِّ قِيلَ لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْأُمَّهَاتِ ؛ لِأَنَّهُنَّ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِنَّ حَدُّ الْآيَةِ وَذَلِكَ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿ وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾ عُمُومًا فِي سَائِرِ مَنْ أَوْقَعَ التَّشْبِيهِ بِظَهْرِهَا مِنْ سَائِرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنْ سَائِرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَبَّهَ عَلَى


الصفحة التالية
Icon