الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾ : الْمَعْنَى الْتَزَمَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ قَصْدًا بَاطِنًا، وَبِالْإِحْرَامِ فِعْلًا ظَاهِرًا، وَبِالتَّلْبِيَةِ نُطْقًا مَسْمُوعًا ؛ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي التَّلْبِيَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي بَاطِنًا فِي الْتِزَامِهِ عَنْ فِعْلٍ أَوْ نُطْقٍ، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ : إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ، فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَأَبَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.
وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مُعْضِلَةٌ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَيَانَ فِيهَا، وَأَوْضَحْنَا لُبَابَهُ فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا دَائِرٌ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ مِنْ الْحَجِّ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِهِ، وَمُعَوَّلُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهُنَاكَ تَبَيَّنَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ النَّظَرَيْنِ، وَظَهَرَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.


الصفحة التالية
Icon