الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ : وَهُوَ لَفْظٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعَرَبِ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ بِالْيَدِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا كَانَ مَنَعَ مِنْهُ ؛ عِبَادَةً أَوْ عَادَةً.
وَظَنَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغُسْلَ عِبَارَةٌ عَنْ صَبِّ الْمَاءِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَ الْغُسْلِ بِالْمَاءِ وَالْغَمْسِ فِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَأَتْبَعَهُ بِمَاءٍ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ﴾.
وَهَذَا نَصٌّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : لَمَّا قَالَ :﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ اقْتَضَى هَذَا عُمُومَ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ بِاتِّفَاقٍ ؛ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالدَّلْكِ، وَأَعْجَبُ لِأَبِي الْفَرَجِ الَّذِي رَأَى وَحَكَى عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُسْلَ دُونَ ذَلِكَ يُجْزِي ؛ وَمَا قَالَ مَالِكٌ قَطُّ نَصًّا وَلَا تَخْرِيجًا، و إنَّمَا هِيَ مِنْ أَوْهَامِهِ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ غَرِيبًا لَمْ يَخْرُجْ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ كَانَ احْتِيَاطًا لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ، وَلَوْ صَبَبْت عَلَى نَفْسِكَ الْمَاءَ كَثِيرًا مَا عَمَّ حَتَّى تَمْشِيَ يَدُكَ ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ بِمَا فِيهِ مِنْ دُهْنِيَّةٍ يَدْفَعُ الْمَاءَ عَنْ نَفْسِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : إذَا عَمَّ الْمَرْءُ نَفْسَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَهُ إجْمَاعًا، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَمْتَثِلَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ فِي دَوَاوِينَ صِحَاحٍ عَلَى السُّنَّةُ عُدُولٍ قَالُوا : رَوَتْ عَائِشَةُ :{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ فِيهِ أَصَابِعَهُ وَفِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ حَفَنَ عَلَى