الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مَقْطُوعٌ عَمَّا قَبْلَهُ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، يَجْعَلُونَ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً ﴾.
مَعْنَاهُ : لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ : أَمْسَى سَقَامٌ خَلَاءً لَا أَنِيسَ بِهِ إلَّا السِّبَاعُ وَمَرُّ الرِّيحِ بِالْغُرَفِ أَرَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ السِّبَاعُ، أَوْ لَكِنْ بِهِ السِّبَاعُ.
وَسَقَامٌ : وَادٍ لِهُذَيْلٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ وَقَالَ النَّابِغَةُ : وَقَفْت بِهَا أُصَيْلَانًا أُسَائِلُهَا عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ إلَّا الْأَوَارِيَ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ وَمِنْ أَبْدَعُهُ قَوْلُ جَرِيرٍ : مِنْ الْبِيضِ لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا وَلَمْ تَطَأْ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا ذَيْلَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ : لَمْ تَطَأْ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنْ تَطَأَ ذَيْلَ بُرْدٍ مُرَحَّلٍ.
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ أَبُو الْحَسَنِ الطُّيُورِيُّ عَنْ الْبَرْمَكِيِّ، وَالْقَزْوِينِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَمِنْ أَصْلِهِ نَقَلْته.
الثَّانِي : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا بَعْدَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ مِنْ الْمُنْخَنِقَةُ إلَى مَا أَكَلَهُ السَّبْعُ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى التَّحْرِيمِ لَا إلَى الْمُحَرَّمِ، وَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : فِي الْمُخْتَارِ : وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ : إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ لَا يُنْكَرُ فِي اللُّغَةِ وَلَا [ فِي الشَّرِيعَةِ ] فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ حَسْبَمَا