الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : الْقَوْلُ فِي الْأُذُنَيْنِ : وَهُمَا إنْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَإِنَّهُمَا فِي الْإِشْكَالِ رَأْسٌ، وَقَدْ تَفَاقَمَ الْخَطْبُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِمَا فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ فِي التَّفْرِيعِ، وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فِي الْآثَارِ.
وَاَلَّذِي يُهَوِّنُ عَلَيْك الْخَطْبَ أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى قَالَ :﴿ بِرُءُوسِكُمْ ﴾ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأُذُنَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي حُكْمِ الرَّأْسِ مَا أَهْمَلَهُمَا، وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا.
وَقَدْ رَوَى صِفَةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ لَمْ أَجِدْ ذِكْرَ الْأُذُنَيْنِ فِيهَا إلَّا الْيَسِيرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ؛ قَالَ : رَأَيْت ﴿ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأَخَذَ مَاءً لِأُذُنَيْهِ خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ ﴾.
وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، رَوَى :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ بَاطِنَهُمَا بِالسِّبَابَتَيْنِ وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ ﴾ ؛ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَمِنْهُمْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ ؛ قَالَتْ : رَأَيْت ﴿ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَمَسَحَ صُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ﴾.
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَمِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ الْوُضُوءَ لِمَنْ سَأَلَهُ بِأَنْ تَوَضَّأَ لَهُ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَأَدْخَلَ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا ﴾.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ حُكْمًا ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
الثَّانِي : أَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
الثَّالِثُ : قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ