الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى النِّفَاقِ.
عَبَّرَ عَنْهُ بِجَزَائِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ جَزَاءَهُ.
وَعَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ أُنَبِّئُكُمْ أَنِّي كُنْت بِمَجْلِسِ الْوَزِيرِ الْعَادِلِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ حُمَيْرٍ عَلَى رُتْبَةِ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ " تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْمِلَّةِ "، فَقَرَأَ الْقَارِئُ :﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ﴾ وَكُنْت فِي الصَّفِّ الثَّانِي مِنْ الْحَلْقَةِ، فَظَهَرَ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلٍ إمَامُ الْحَنْبَلِيَّةِ بِهَا، وَكَانَ مُعْتَزِلِيَّ الْأُصُولِ، فَلَمَّا سَمِعْت الْآيَةَ قُلْت لِصَاحِبٍ لِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَى يَسَارِي : هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ :" لَقِيت فُلَانًا " إلَّا إذَا رَأَتْهُ.
فَصَرَفَ وَجْهَهُ أَبُو الْوَفَاءِ الْمَذْكُورُ إلَيْنَا مُسْرِعًا، وَقَالَ : تَنْتَصِرُ لِمَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ فِي أَنَّ [ اللَّهَ ] لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَالَ :﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾.
وَعِنْدَك أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَرَوْنَ اللَّهَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ شَرَحْنَا وَجْهَ الْآيَتَيْنِ فِي الْمُشْكِلَيْنِ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ : فَأَعْقَبَهُمْ هُوَ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ، فَيَحْتَمِلُ عَوْدُ ضَمِيرِ " يَلْقَوْنَهُ " إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي أَعْقَبَهُمْ الْمُقَدَّرُ بِقَوْلِنَا هُوَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى النِّفَاقِ مَجَازًا عَلَى تَقْدِيرِ الْجَزَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.


الصفحة التالية
Icon