الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : قِيلَ : هُوَ خُلُوصُ النِّكَاحِ لَهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ انْبَنَى مَعْنَى الْخُلُوصِ هَاهُنَا.
وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا : إنَّ نِكَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْوَلِيِّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ﴿ قَوْلُهُ لِعَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِهِ، حِينَ زَوَّجَ أُمَّهُ : قُمْ يَا غُلَامُ فَزَوِّجْ أُمَّك ﴾.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هَذَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَوْهُوبَةِ : وَهَبْت نَفْسِي لَك لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَلَا بُدَّ بَعْدَهُ مِنْ عَقْدٍ مَعَ الْوَلِيِّ، فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ وَصِفَتِهِ أَمْ لَا ؟ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَا ذِكْرَ لِلْآيَةِ فِيهَا.
الثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ خُلُوُّ النِّكَاحِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَلَهُ جَاءَ الْبَيَانُ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْخُلُوصُ الْمَخْصُوصُ بِهِ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا، فَذَكَرَهُ فِي جَنْبَتِهِ بِلَفْظِ النِّكَاحِ الْمَخْصُوصِ بِهَذَا الْعَقْدِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، فَيَكُونُ النِّكَاحُ حُكْمًا مُسْتَأْنَفًا، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، إلَّا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْهِبَةِ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعِوَضِ وَهُوَ الصَّدَاقُ.
الرَّابِعُ : إنَّا لَا نَقُولُ : إنَّ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ جَائِزٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ ؛ فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك، وَأَحْلَلْنَا لَك الْمَرْأَةَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا خَالِصَةً، فَلَوْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ :﴿ خَالِصَةً ﴾ حَالًا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ ذِكْرُ الْهِبَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ الَّذِي هُوَ الْمَرْأَةُ وَسُقُوطُ الصَّدَاقِ، لَكَانَ إخْلَالًا مِنْ الْقَوْلِ، وَعُدُولًا عَنْ الْمَقْصُودِ فِي اللَّفْظِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَرَبِيَّةً، وَلَا مَعْنًى.
أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ