وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا نَحْنُ كَمَا قُلْنَا حَمَلْنَاهَا عَلَى فَائِدَتَيْنِ مُتَجَدِّدَتَيْنِ، وَهِيَ اعْتِبَارُ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ تَطَهَّرْنَ ﴾ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِ : يَطْهُرُ فِي الْأَقَلِّ.
قُلْنَا : نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا قَدْ حَمَلْنَاهُمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَدْ وَجَدْنَا لِذَلِكَ مِثَالًا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَحَفِظْنَا نُطْقَ الْآيَةِ وَلَمْ نَخُصَّهُ، وَحَفِظْنَا الْأَدِلَّةَ فَلَمْ نَنْقُضْهَا ؛ فَكَانَ تَأْوِيلُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلٍ آخَرَ يَخْرُجُ عَنْهَا.
جَوَابٌ آخَرُ : وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْجَمْعِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْوَطْءِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِلْأَكْثَرِ، وَمَا قُلْنَا يَقْتَضِي الْحَظْرَ ؛ وَإِذَا تَعَارَضَ بَاعِثُ الْحَظْرِ وَبَاعِثُ الْإِبَاحَةِ غَلَبَ بَاعِثُ الْحَظْرِ، كَمَا قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ :" أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى ".
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ وَهُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ، وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَالزَّمَانُ بَاقٍ، فَبَقِيَ النَّهْيُ، وَهَذَا اعْتِرَاضُ أَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ.
أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ :[ الْمَحِيضُ ] هُوَ الْحَيْضُ بِعَيْنِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ : حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ.
وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنْ قَالَ : أَرَادَ بِقَوْلِهِ :" الْمَحِيضِ " نَفْسَ الْحَيْضِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ فَإِنْ قِيلَ : بِهَذَا نَحْتَجُّ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ الدَّمُ زَالَ الْأَذَى ؛ فَجَازَ الْوَطْءُ ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا.
قُلْنَا : هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ ؛ فَإِنْ زَالَتْ الْعِلَّةُ