سُورَةُ التَّوْبَةِ مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ
الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا التَّوْبَةُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١] هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَـ بَرَاءَةٌ مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ هَذِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١] مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: بَرَاءَةٌ مَرْفُوعَةٌ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ [التوبة: ١] وَجَعَلَهَا كَالْمَعْرِفَةِ تَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا؛ إِذْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بِصِلَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] كَالْمَعْرِفَةِ، وَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ مَذْهَبًا غَيْرَ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْجَبَ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ يُضْمِرُوا لِكُلِّ مُعَايَنٍ نَكْرَةً كَانَ أَوْ مَعْرِفَةً ذَلِكَ الْمُعَايَنُ، هَذَا وَهَذِهِ، فَيَقُولُونَ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمُ الشَّيْءَ الْحَسَنَ: حَسَنٌ وَاللَّهِ، وَالْقَبِيحَ: قَبِيحٌ وَاللَّهِ، يُرِيدُونَ: هَذَا حَسَنٌ وَاللَّهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ وَاللَّهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ [التوبة: ١] وَالْمَعْنَى: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّ الْعُهُودَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِأَمْرِهِ،