﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه قد سعد المؤمنون ومنه قول لبيد :
فاعقلي إن كنت لم تعقلي... إنما أفلح من كان عقل
الثاني : أن الفلاح البقاء ومعناه قد بقيت لهم أعمالهم، وقيل : إنه بقاؤهم في الجنة، ومنه قولهم في الأذان : حي على الفلاح أي حي على بقاء الخير قال طرفة بن العبد :
أفبعدنا أو بعدهم...... يرجى لغابرنا الفلاح
الثالث : أنه إدْراك المطالب قال الشاعر :
لو كان حي مدرك الفلاح... أدركه ملاعب الرماح
قال ابن عباس : المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا. روى عمر بن الخطاب قال كان النبي صل الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يسمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل، فنزل عليه يوماً فلما سرى عنه استقبل القبلة ورفع يديه ثم قال :« اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا » ثم قال :« لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ أَيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ » ثم قرأ علينا ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حتى ختم العشر. روى أبو عمران الجوني قال قيل لعائشة ما كان خُلُق رسول الله صل الله عليه وسلم؟، قالت أتقرأُون سورة المؤمنون؟ قيل : نعم، قالت اقرأُوا فقرىء عليها ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حتى بَلَغَ ﴿ يَحَافِظُونَ ﴾.
فقالت : هكذا كان خلق رسول الله ﷺ.
قوله تعالى :﴿ الَّذِيِنَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : خائفون، وهوقول الحسن، وقتادة.
والثاني : خاضعون، وهو قول ابن عيسى.
والثالث : تائبون، وهو قول إبراهيم.
والرابع : أنه غض البصر، وخفض الجناح، قاله مجاهد.
الخامس : هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض، ولا يجوز بصره مُصَلاَّهُ، فقد روي أن النبي ﷺ كان يرفع بصره إلى السماء فنزلت :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ فصار لا يجوِّز بصره مُصَلاَّهُ.
فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان :
أحدهما : في القلب خاصة، وهو قول الحسن وقتادة.
والثاني : في القلب والبصر، وهو قول الحسن وقتادة.
قوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن اللغو الباطل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الكذب، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه الحلف، قاله الكلبي.
الرابع : أنه الشتم لأن كفار مكة كانوا يشتمون المسلمين فهو عن الإِجابة، حكاه النقاش.
الخامس : أنها المعاصي كلها، قاله الحسن.
قوله :﴿ أُوْلئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ روي عن النبي ﷺ أنه قال :« مَا مِنْكُم إِلاَّ لَهُ مَنزِلاَنِ : مَنزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِن مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، وإِنْ مَاتَ وََدَخَلَ الجَنَّةَ، وَرِثَ أَهْلُ النَّارِ مَنزِلَهُ، فَذلِكَ قولَه ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ » ثم بيَّن ما يرثون فقال :
﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ فيه خمسة أوجه
: أحدها : أنه اسم من أسماء الجنة، قاله الحسن.
الثاني : أنه أعلى الجنان قاله قطرب.
الثالث : أنه جبل الجنة الذي تتفجر منه أنهار الجنة، قاله أبو هريرة.
الرابع : أنه البستان وهو رومي معرب، قاله الزجاج.
الخامس : أنه عربي وهو الكرم، قاله الضحاك.