قوله تعالى ﴿ سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعْلَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : عظّم ربك الأعلى، قاله ابن عباس والسدي، والاسم صلة قصد بها تعظيم المسّمى، كما قال لبيد :

إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر
الثاني : نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه، ذكره الطبري.
الثالث : معناه ارفع صوتك بذكر ربك، قال جرير :
قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلّما سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا
الرابع : صلّ لربك، فعلى هذا في قوله « اسم ربك » ثلاثة أوجه :
أحدها : بأمر ربك.
الثاني : بذكر ربك أن تفتتح به الصلاة.
الثالث : أن تكون ذاكراً لربك بقلبك في نيتك للصلاة.
وروي أن عليّاً وابن عباس وابن عمر كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا :« سبحان ربي الأعلى » امتثالاً لأمره تعالى في ابتدائها، فصار الاقتداء بهم في قراءتها، وقيل إنها في قراءة أُبيّ :« سبحان ربي الأعلى » وكان ابن عمر يقرؤها كذلك.
﴿ الذي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني أنشأ خلقهم ثم سوّاهم فأكملهم.
الثاني : خلقهم خلقاً كاملاً وسوّى لكل جارحة مثلاً.
الثالث : خلقهم بإنعامه وسوّى بينهم في أحكامه، قال الضحاك :
خلق آدم فَسوّى خلقه.
ويحتمل رابعاَ : خلق في أصلاب الرجال، وسوّى في أرحام الأمهات.
ويحتمل خامساً : خلق الأجساد فسّوى الأفهام.
﴿ والذي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : قدّر الشقاوة والسعادة، وهداه للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
الثاني : قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً.
الثالث : قدرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر كيف يأتى الأنثى، قاله السدي.
ويحتمل رابعاً : قدر خلقهم في الأرحام، وهداهم الخروج للتمام.
ويحتمل خامساً : خلقهم للجزاء، وهداهم للعمل.
﴿ والذي أَخْرَجَ المْرعى ﴾ يعني النبات، لأن البهائم ترعاه، قال الشاعر :
وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا
﴿ فَجَعَلهُ غُثاءً أَحْوَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح.
الأحوى : الأسود، قال ذي الرمة :
لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ
وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني : أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات، والأحوى : المتغير، وهذا معنى قول السدي.
الثالث : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، ومعناه أحوى فصار غثاء، والأحوى : ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق، وقال امرؤ القيس :
وغيثٍ دائمِ التهْتا نِ حاوي النبتِ أدْهم
والغثاء : الميت اليابس، قال قتادة : وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نضارتها.
﴿ سنُقْرئك فلا تَنسَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن معنى قوله : فلا تنسى، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك.


الصفحة التالية
Icon