ما ليس من شأنه أن يدرك فهو معاني أسماء الله وصفة أفعاله من حيث أسماؤه وأفعاله فإنه انفرد بعلم ذلك سبحانه وتعالى فهذا من هذا الوجه يسمى: العزة.
وما من شأنه أن يدرك لكن لم نصله بإدراك وهو ما كان في الدنيا ولم ندركه ولا مثله، وما يكون في الآخرة وما في الجنة كما قال عليه السلام: )فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر( وقال الله العظيم: (وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ).
وهذا من هذا الوجه يسمى الجبروت.
وجاء ذلك كله مرتبا في الحديث في تسبيح الملائكة عليهم السلام وهو قولهم (سُبحانَ ذي المُلكِ وَالمَلَكوت، سُبحانَ ذي العِزَةِ وَالجَبَروت).
وانقسم أيضا باب الإدراك على قسمين: - ما " مدركه " الضرورة والأخبار.
- وما " مدركه " النظر والاعتبار.
والتنزيل في الخطاب بين هذه الأقسام صارت اللفظة بحسب ذلك مشتركة في الاعتبار بين البابين وأقسام الوجود فاحتاجت إلى فرقان فيجعل الألف يدل على قسمي الوجود والواو على قسم الملك منه لأنه أظهر للإدراكز والياء على قسم الملكةت منه لأنه أبطن في الإدراك. فإذا بطنت حروف في الخط ولم تكتب فلمعنى باطن في الوجود عن الإدراك. وإذا ظهرت فلمعنى ظاهر في الوجود إلى الإدراك. كما إذا وصلت فلمعنى موصول وإذا حجزت فلمعنى مفصول. وإذا تغيرت بضرب من التغير دلت على تغير في المعنى في الوجود يظهر في الإدراك بالتدبر على ما نبينه بعد إن شاء الله.
ولا تقف بالفهم عند أوائنل العلم، فإن معارف الملك والملكوت لا تنحصر فيما أقول.
(وَاللَهُ يَقولُ الحَقّ وَهُوَ يَهدي السَبيل) و مبدأ الاعتبار لأولي الأبصار. (يُقَلِبُ اللَهُ اللَيلَ وَالنّهار) ونهايته التذكار بالعزيز الغفار.
ولنقدم الكلام على هذه الحروف الأربعة فإنها أكثر تصريفا وتغييرا في الخط من غيرها كما ذلك في القول أيضا. ثم نتبعها بمفردات من سائر الحروف وبالله التوفيق.
باب الهمزة
قد تقدم أنها لا صورة لها في الخط لأنها مبدأ الحروف، وأنها متحركة وأول الحركات الفتحة.
فالهمزة من جهة الإبتداء من الألف الذي هو أول الحروف الثلاثة التي للمد واللين. ثم تعضد في مواضع بأحد هذه الحروف الثلاثة حيث تثبت ولا يتأتى سقوطها. فإن تأتي سقوطها خرجت عن أصالتها فلم تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقوي ظهورها، فتعضد على ما نذكره في فصول أربعة.
فصل إذا كانت الهمزة أول الكلمة
فإنه لا يتأتى سقوطها لأنها متحركة وليس قبلها غيرها. وهي من جهة المعنى مبدأ الحروف. وقد وقعت كذلك في أول الكلمة فظهرت ثابتة في كل وجه فعضدت بأول الحروف وهو الألف بأي حركة تحركت الهمزة.
فصل إذا وقعت الهمزة آخر الكلمة
فقد " أخرجت عن أصالتها بحسب وضعها آخر الكلمة محل الوقف والسكون.
فإذا كان ما قبلها متحركا مثل يستهزىء فإنه لا يتأتى سقوطها بإلقاء حركتها عليه لأنه متحرك.
ويصح النطق بالهمزة ساكنة مثل: إن يشأ وهيىء أو في الوقف أن الكلمة إنما تكتب على الوقف. فلذلك تعضد بحرف من جنس حركة ما قبلها لأنها إن سكنت في الوقف لم يدبرها حركة نفسها إذ لا حركة لها، إنما يدبرها حركة ما قبلها ولولا حركة ما قبلها ما عضدت فلذلك وجب أن يدبرها حركة ما قبلها إلا أن يقوى معناها في الكلمة بحيث تكون له مرتبة ظاهرة أصلية في الإعتبار فتعضد بحرف حركتها مثل: الملو أربعة أحرف عضدت فيها الهمزة بالواو تنبيها على أن معنى الكلمة ظاهر للفهم في قسم الملك من الوجود فهؤلاء الملوا هم أرفع الطبقات وهم أصحاب الأمر المرجوع إليهم في التدبير. فقوي معنى الهمزة فعضدت وزيدت الألف بعد الواو تنبيها على أنهم أحد قسمي الملأ فظهورهم هو بالنسبة إلى القسم الآخر في الوجود إذ منهم التابع والمتبوع قد انفصلا في الوجود. وسنتكلم على الألف في بابه.
فزيادة هذه الحروف ونقصانها ينوب مناب ذكر صفات الوجود.
ويدل على هذا التأويل ما جاء في قصة نوح في سورة " المؤمنون " في وصف الملأ بالذين كفروا وبعده نسبوا إلى قومه وقالوا في الآية: (يُريدُ أَن يَتَفَضّلَ عَلَيكُم) وآخرها (فَتَرَبَصوا بِهِ حَتى حين).
فلهم الأمر في قومهم ولا يرون أحدا من البشر فوقهم لقولهم (وَلَو شاءَ اللَهُ لأَنزَلَ مَلائِكَة) فهؤلاء الطبقة العليا يفي الملأ.