سُورَةُ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ، وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَقَرُبَ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَدَنَا، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا وقُوعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ عِبَادَهُ مَجِيئَهُ وَقُرْبَهُ مِنْهُمْ مَا هُوَ، وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَرَائِضُهُ وَأَحْكَامُهُ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] قَالَ: «الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ وَالْفَرَائِضُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قُرُبَتْ، وَأَنَّ عَذَابَهُمْ قَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ فَدَنَا
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، -[١٥٩]- قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، يَعْنِي: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ أَتَى، فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ، قَالُوا: مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، فَقَالُوا: إنَّ هَذَا يَزْعُمُ مِثْلَهَا أَيْضًا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ، قَالُوا: مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولَنَّ مَا يَحْبِسُهُ، أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ "


الصفحة التالية
Icon