قوله :« ما » يجوز أن تكون بمعنى « الذي »، والعائد محذوف، أي : بالذي أنزلته، ويجوز أن تكون مصدرية، والمصدر واقع موقع المفعول أيك [ بالمنزل ].
و « مصدقاً » نصب على الحال، وصاحبها العائد المَحْذُوف.
وقيل : صحابها « ما » والعامل فيها « آمنوا »، وأجاز بعضهم أن تكون « ما » مصدرية من غير جعله المصدر واقعاً موقع الفعل به، وجعل « لما معكم » من تمامه، أي : بإنزالي لما معكم، وجعل « مصدقاً » حالاً من « ما » المجرورة باللاَّم قدمت عليها، وإن كان صاحبها مجروراً؛ لأن الصَّحيح جواز تقديم حال المجرور بحرف الجر عليه؛ كقوله [ الطويل ]
٤٣١ فَإِنْ يَكُ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ | فَلَن تّذْهَبُوا فِرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ |
والظاهر أن « ما » بمعنى « الذي » وأن « مصدقاً » حال من عائد الموصول، وأن اللاّم في « لما » مقوية لتعدية « مصدقاً » ل « ما » الموصولة بالظَّرْفِ.
فصل في بيان المخاطبين في الآية
اعلم أن المخاطبين بقوله :« وآمنوا » هم بنو إسرائيل لتعطفه على قوله :« اذْكُرُوا نِعْمَتِي »، ولقوله :« مُصَدّقاً لِمَا مَعَكُمْ ».
وقوله :« بِمَا أَنْزَلت » فيه قولان :
أحدهما : أنه القرآن؛ لأنه وصفه بكونه منزلاً، وبكونه مصدقاً لما معهم.
والثاني : قال قَتَادَةُ : بما أنزلت من كتاب ورسول تجدونه مكتوباً في التَّوراة، والإنجيل.
ومن جعل « ما » مصدرية قدّرها ب « إنزالي لما معكم » يعني : التوراة.
وقوله ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ ﴾ فيه تفسيران :
أحدهما : أن في القرآن أنَّ موسى وعيسى حَقّ، والتوراة والإنديل حَقّ، فالإيمان بالقرآن مؤكّد للإيمان بالتوارة والإنجيل.
والثاني : أنه حصلت البِشَارَةُ بمحمد عليه الصَّلاة والسَّلام وبالقرآن في التوراة والإنجيل، فكان الإيمان بالقرآن، وبمحمد تصديقاً للتوراة والإنجيل، وتكذيب محمد والقرآن تكذيبٌ للتوراة والإنجيل.
قال ابن الخطيب : وهذا يدلّ على نبوة محمد عليه الصَّلاة والسَّلام من وجهين :
الأول : أن شهادة كتب الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام لا تكون إلا حقًّا.
والثاني : أنه عليه الصلاة السَّلام لم يقرأ كتبهم، ولم يكن له معرفة بذلك إلاَّ من قبل الوحي.
قوله :« وَلاَ تكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ».
« أول » خبر كان، وفيه أربعة أقوال :
أحدهما وهو مذهب سيبويه : أنه « أفعل »، وأن فاءه وعينه واو، وتأنيثه « أُوْلَى »، وأصلها :« وُوْلَى »، فأبدلت الواو همزة وجوباً، وليست مثل « وُورِي » في عدم قلبها لسكون الواو بعدها، لأن واو « أُوْلَى » تحركت في الجمع في قولهم « أوْل »، فحمل المفرد على الجمع في ذلك، ولم يتصرف من « أول » فعل لاستثقاله.