قال القفال : يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب الذين كانوا في زمان محمد ﷺ، أي : اشتدت قلوبكم وقَسَت وضلّت من بعد البَيّنات التي جاءت أوائلكم، والعقاب الذي نزل بمن أَصَرَّ على المعصية منهم، والآيات التي جاءهم بها أنبياءهم، فأخبر بذلك عن طُغْيَانهم، وجَفَائهم على ماعندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب.
قال : لأنه خطاب مُشَافهة فَحَمْله على الحاضرين أولى، ويحتمل أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمان موسى ﷺ خصوصاً. وروي أن ذلك القتيل لما عين القاتل كذبه، وما ترك الإنكار وساعده عليه جمع، فتكون الإشارة لقوله بعد ذلك إلى ما أظهره الله تعالى من إحياء القتيل بِضَرْبِهِ ببعض البقرة المذبوحة. ويحتمل أن تكون الإشارة إلى جميع ما عدده الله تعالى من النعم العظيمة، والآيات الباهرة التي آظهرها الله تعالى على يد موسى ﷺ فإنّ أولئك اليهود بعد أن كثرت مشاهدتها لها ما خلوا من العِنَاد والاعتراض على موسى عليه الصَّلاة والسَّلام.
فإن قيل : لم أتى ب « ثم » التي تقتضى الترتيب والمُهْلة، فقال :« ثم قست »، وقال :« مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ » والبَعْدية لا تقتضي التعقيب، وقلوبهم لم تزل قاسيةً مع رؤية مالآية وبعدها؟
فالجواب : أنه أتى ب « من » التي لابتداء الغاية فقال : من بعد ذلك فجعل ابتداء المقصود عقيب رؤية الآيات، فنزلت المهلة.
وقال أبو عبيدة :« معنى قَسَتْ : جفت ».
وقال الواقدي : خفت من الشّدة فلم تكن.
وقال المؤرخ :« غلظت ».
وقيل : اسودت.
وقال االزجاج :« القَسْوة ذهاب اللّين والرحمة والخشوع والخضوع ».
قوله :« أَوْ أشَدُّ قَسْوَةً » « أو » هذه ك « أو » التي في قوله :﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ ﴾ [ البقرة : ١٩ ] فكل ما قبل ثمة يمكن القول به هنا، ولما قال أبو الأسود :[ الوافر ]
٥٩٣ أُحِبُّ مُحَمَّداً حُبًّا شَديداً | وَعَبَّاساً وَحَمْزَةَ أَوْ عَلِيًّا |
قال ابن الخطيب : كلمة « أو » للتردد، وهي لا تليق بعلاَّم الغيوب، فلا بد من التأويل وهو من وجوه : أحدهما : أنها بمعنى « الواو » كقوله :﴿ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٧ ] وقوله :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ ﴾ [ النور : ٣١ ] وقوله :﴿ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ ﴾