قرئ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال ﴾ : ببناء « كَتَب » للفاعل؛ وهو ضمير الله تعالى، ونصبِ « القِتَالِ ».
قال القرطبي : وقرأ قومٌ :« كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقَتْلُ » ؛ قال الشاعر :[ الخفيف ]
٠٤٨ أ - كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقَتَالُ عَلَيْنَا | وَعَلَى الغَانِيَاتِ جَرُّ الذُيُولِ |
أحدهما : أنَّ وضع المصدر موضع الوصف سائغٌ كقول الخنساء :[ البسيط ]
١٠٤٨ب -..................... | فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَادْبَارُ |
وقرأ السُّلميُّ بفتحها. فقيل : هما بمعنًى واحدٍ، أي : مصدران كالضَّعف والضُّعف، قاله الزَّجاج وتبعه الزمخشري.
وقيل : المضمومُ اسمُ مفعولٍ، والمفتوح المصدر.
وقيل : المفتوح بمعنى الإكراه، قاله الزممخشري في توجيه قراءة السُّلميِّ، إلاَّ أنَّ هذا من باب مجيء المصدر على حذف الزوائد، وهو لا ينقاس.
وقيل : المفتوح ما أُكره عليه المرء، والمضموم ما كرهه هو.
فإن كان « الكَرْهُ »، و « الكُرْهُ » مصدراً، فلا بدَّ من تأويل يجوز معه الإخبار به عن « هو »، وذلك التأويل : إمَّا على حذف مضافٍ، أي : والقتال ذو كرهٍ، أو على المبالغة، أو على وقوعه موقع اسم المفعول. وإن قلنا : إنَّ « كُرْهاً » بالضَّمِّ اسم مفعولٍ، فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. و « لَكُمْ » في محلِّ رفعٍ؛ لأنه صفة لكره، فيتعلَّق بمحذوفٍ أي : كرهٌ كائنٌ.
فصل في بيان الإذن في القتال
اعلم أنه - عليه الصّلاة والسّلام - كان غير مأذونٍ له في القتال مدة إقامته بمكة، فلمَّا هاجر أُذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثمَّ أُذن له في قتال المشركين عامَّةً، ثم فرض الله الجهاد.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال عطاء : الجهاد تطوعٌ والمراد بهذه الآية أصحاب رسول الله ﷺ في ذلك الوقت دون غيرهم، وإليه ذهب الثَّوْرِيُّ، واحتجوا بقوله تعالى :﴿ فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [ النساء : ٩٥ ] ولو كان القاعد تاركاً للفرض، لم يكن يعده الحسنى.
قالوا : وقوله :« كُتِبَ » يقتضي الإيجاب، ويكفي في العمل به مرَّةً واحداةً.
وقوله :« عَلَيْكُمْ » يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وإنما قلنا إنَّ قوله ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام ﴾ [ البقرة : ١٨٣ ] حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك؛ بدليلٍ منفصلٍ، وهو الإجماع، وذلك غير معقولٍ ها هنا؛ فوجب أن يبقى على الأصل، ويدل على صحة هذا القول قوله تعالى :