اعلم أنه تعالى لما أمر بالقتال بقوله :﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة : ٢٤٤ ] أعقبه بالحض على النفقة في الجهاد فقال :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] والمقصود منه الإنفاق في الجهاد، ثمَّ إنَّه أكد الأمر بالقتال بذكر قصَّة طالوت، ثم أعقبه بالأمر بالإنفاق في الجهاد في هذه الآية الكريمة.
قوله :﴿ أَنْفِقُواْ ﴾ : مفعوله محذوفٌ، تقديره : شيئاً ممَّا رزقناكم، فعلى هذا ﴿ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ﴾ متعلّقٌ بمحذوفٍ في الأصل لوقوعه صفةً لذلك المفعول، وإن لم تقدِّر مفعولاً محذوفاً، فتكون متعلِّقة بنفس الفعل. و « مَا » يجوز أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوفٌ، أي : رزقناكموه، وأن تكون مصدريَّةً، فلا حاجة إلى عائدٍ، ولكن الرّزق المراد به المصدر لا ينفق، فالمراد به اسم المفعول، وأن تكون نكرةً موصوفةً وقد تقدَّم تحقيق هذا عند قوله تعالى :﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ].
قوله :﴿ مِّن قَبْلِ ﴾ متعلِّقٌ أيضاً بأنفقوا، وجاز تعلُّقُ حرفين بلفظٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ لاختلافهما معنًى؛ فإنَّ الأولى للتَّبعيض والثانية لابتداء الغاية، و « أَنْ يَأْتي » في محلِّ جرٍّ بإضافة « قبل » إليه، أي : من قبل إتيانه.
وقوله :﴿ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ ﴾ إلى آخره : الجملة المنفيَّة صفةٌ ل « يَوم » فمحلُّها الرَّفع. وقرأ « بَيْعٌ » وما بعده مرفوعاً منوناً نافع والكوفيون وابن عامر، وبالفتح أبو عمرو وابن كثير، وتوجيه ذلك تقدم في قوله تبارك وتعالى :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ].
والخلَّة : الصَّداقة، كأنها تتخلَّل الأعضاء، أي : تدخل خلالها، أي وسطها.
والخلَّة : الصديق نفسه؛ قال :[ الطويل ]
١١٧٣- وَكَانَ لَهَا في سَالِفِ الدَّهْرِ خُلَّةٌ | يُسَارِقُ بِالطَّرْفِ الخِبَاءَ المُسَتَّرَا |
قال القرطبيُّ : والخُلَّة : خالص المودَّة [ مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين والخِلالة والخَلالة، والخُلالة : الصداقة، والمودة ] ؛ قال الشاعر :[ المتقارب ]
١١٧٤- وَكَيْفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ | خِلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ |
والخَلَّة - بالضَّمِّ - أيضاً - ما خالل من النبت يقال : الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها.
والخَلَّة :- بالفتح - الحاجة والفقر، يقال : سدَّ خلته، أي : فقره.
والخِلَّة بالكسر ابن مَخَاض، عن الأصمعي : يقال أتاهم بقرص كأنَّه فِرْسِنُ خلة.
والأنثى خلَّة أيضاً، والخلّة : الخمرة الحامضة.
والخِلَّة - بالكسر - واحدة خلل السُّيوف، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السُّيوف منقوشة بالذَّهب وغيره، وهي أيضاً سُيُور تلبس ظهور سيتي القوس، والخلّة أيضاً ما يبقى بين الأسنان.