« فكيف » فيها ثلاثة أقْوَال :
أحدها : أنَّها في مَحَلِّ رفْع خَبَراً لمبْتَدأ مَحْذُوف، أي : فكيف [ تكُون ] حالهم أو صُنْعُهم، والعَامِل في « إذَا » هو هَذَا المُقَدَّر.
والثاني : أنها في مَحَلِّ نَصْب بِفِعْلٍ مَحْذُوف، أي : فكيف تكُونونُ أو تَصْنَعُون، ويَجْزِي فيها الوَجْهَان النَّصْب على التَّشْبِيه بالحَالِ؛ كما هو مَذْهَب سَيبويْه، أو على التَّشْبِيه بالظَّرفيّة؛ كما هو مذهب الأخْفَش، وهو العَامِل في « إذَا » أيْضَاً.
والثالث : حكاه ابن عَطيّة عن مَكِّي أنها معمولة ل ﴿ جِئْنَا ﴾، وهذا غَلَطٌ فاحِشٌ.
قوله ﴿ مِن كُلِّ ﴾ فيه وجْهَان :
أحدهما : أنه مُتعلِّق ب ﴿ جِئْنَا ﴾.
والثاني :[ أنه متعلِّقٌ ] بمحذوفٍ على أنَّه حَالٌ من ﴿ شَهِيداً ﴾، وذلك على رَأي من يُجَوِّزُ تقديم حالِ المجرُور بالحَرْفِ عليْهِ، كما تقدَّم، والمشهود مَحْذُوف، أي : شهيد على أمَّتِه.

فصل : معنى ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا ﴾


من عَادَى العرب أنَّهم يقُولُون في الشَّيء الذي يتوقَّعُونَهُ : كيف بك إذا كان كَذَا وكَذَا، ومعنى الكلام : كَيْفَ يرون [ يَوْمَ ] القيامة : إذا اسْتَشْهَد الله على كُلِّ أمَّة برسُولِهَا يشهد عليهم بما عَمِلُوا، ﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء ﴾ أي : شاهداً على جميع الأمَم.
روى أبو مَسْعُود؛ « قال : قال النبيُّ ﷺ :» اقْرَأ عَلَيَّ «. فقلت : يا رسُول الله، اَقْرَأ عَلَيْكَ، وعَلَيْكَ أنْزِلَ؟ قال :» نَعَم، أحِبُّ أن أسْمَعَهُ من غَيْرِي «، فقرأت سُورة النِّسَاء حتى أتيْتُ إلى هذه الآيةِ، قال : حَسْبُك الآن، فالتَفَتُّ إلَيْه فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفان ».
قوله ﴿ وَجِئْنَا بِكَ ﴾ في هذه الجُمْلَة ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنها في مَحَلِّ جرِّ عطفاً على ﴿ وَجِئْنَا ﴾ الأولى، أي : فكيف تصنعون في وَقْتِ المجيئين.
والثاني : أنها في مَحَلِّ نصب على الحَالِ و « قَدْ » مُرَادةٌ معها، والعَامِلُ فيها ﴿ وَجِئْنَا ﴾ [ الأولى، أي : جئنا ] من كُلِّ أمَّة بشهيدٍ وقد جِئْنَا؛ وفيه نَظَر.
الثالث : أنها مُسْتأنَفَة فلا مَحَل لها قال أُو البَقَاء ويجوز أن تكون مُسْتأنَفَة، ويكون المَاضِي بمعنى المُسْتَقْبَل انتهى.
وإنما احْتَاج [ إلى ذلك ] ؛ لأن المَجِيءَ بعد لَمْ يَقَع فادّعى ذلك، والله أعْلَم.
قوله :﴿ على هؤلاء ﴾ متعلِّق ب ﴿ شَهِيداً ﴾ و « عَلَى » على بابها، وقيل : بمعْنَى اللام، وفيه بُعْدٌ [ وأجيز أن يكُونَ « عَلَى » متعلِّقَة بمحذُوفٍ على أنَّها حالٌ من ﴿ شَهِيداً ﴾ وفيه بُعْدٌ ]، و ﴿ شَهِيداً ﴾ حالٌ من الكَافِ في « بِكَ ».


الصفحة التالية
Icon