قوله تعالى :﴿ فَتَرَى الذين ﴾ : الجمهورُ على « تَرَى » بتاء الخطاب، و « الذين » مفعُول، فإن كانت الرُّؤيَة بَصَرِيَّةً أو عرفانية - فيما نقله أبُو البقاء وفيه نظر - فتكون الجُمْلَة من « يُسَارِعُون » في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصُول، وإن كانت قَلْبِيَّةً، فيكون « يُسَارِعُون » مفعولاً ثانياً.
وقرأ النَّخْعِي، وابن وثَّاب « فَيَرَى » باليَاء وفيها تَأويلان :
أظهرهما : أنَّ الفاعِل ضمير يَعُود على الله تعالى، وقيل : على الرَّأي من حيث هُو : و « يُسَارِعون » بحالتها.
والثاني : أن الفاعل نفس الموصُول، والمفعول هو الجملة من قوله :« يسارعون »، وذلك على تأويل حذْفِ « أنْ » المصدريَّة، والتقدير : ويرى القوم الذين في قُلُوبهم مَرَضٌ أن يُسَارِعُوا، فلما حُذِفَتْ :« أنْ » رُفِعَ الفِعْلُ؛ كقوله :[ الطويل ]
١٩٨٠- ألاَ أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى | ..................... |
فصل
أجاز ابْنُ عطيَّة حذف « أن » المصدريّة، إلا أنَّ هذا غير مَقِيسٍ؛ إذ لا تُحْذَفُ « أن » عند البصريين إلا في مواضع مُحفُوظة.
وقرأ قتادةُ والأعْمش :« يُسْرِعُونَ » من أسْرَعَ. و « يَقُولُون » في محل نَصْب [ على الحالِ من فاعل « يُسَارِعُون »، و « نَخْشَى » في محل نَصْبٍ بالقَوْل، و « أنْ تُصِيبنَا » في محلِّ نَصْبٍ ] بالمفعُول أي :« نَخْشَى إصابَتَنَا »، والدَّائرة صفة غَالِبة لا يذكر موصُوفها، والأصل : دَاوِرَة؛ لأنَّها من دار يَدُور.
قال الواحدي : الدَّائرة من دَوَائِر الزَّمن، كالدَّولة والدَّوَائِل تَدُولُ قال الشاعر :[ الرجز ]
١٩٨١- يَرُدُّ عَنْكَ القَدَرَ المَقْدُورَا | أوْ دَائِرَاتِ الدَّهْرِ أنْ تَدُورَا |
فصل
المُرَاد بقوله تعالى ﴿ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ هم المُنَافِقُون يعني : عبد الله بن أبَيّ وأصحابه - لعنهم الله - « يُسَارِعُون [ فيهم » أي : في ] مودَّة اليَهُود ونَصَارى نَجْران؛ لأنَّهم كانوا أهل ثرْوَة، وكانوا يُعِينُونَهُم على مُهِمَّاتِهِم، ويُقْرِضُونَهُم.
ويقول المَنَافِقُون : إنَّما نُخَالِطُهم لأنّا نَخْشَى أن تُصِيبنَا دَائِرَةٌ قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والزَّجَّاج : أي : نَخْشَى ألا يَتِمَّ الأمْرُ - لمحمَّد - ﷺ -، فيدُور الأمْر كما كان قبل ذلك. وقيل : نَخْشَى أن يدُور الدَّهْر علينا بِمَكْرُوه من جَدْب أو قَحْط، فلا يُعْطُون المِيَرة والقَرْض.
قوله :﴿ فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح ﴾، « أن يَأتِي » في محلِّ نَصْبٍ إمَّا [ على ] الخبر ل « عسى »، وهو رأي الأخْفَش، وإمَّا على أنَّهُ مَفْعُول به، وهو رأيُ سيبوَيْه لئلاَّ يلزم الإخْبَار عن الجُثَّةِ بالحدَثِ في قولك :« عَسَى زَيْدٌ أن يَقُوم ».
وأجاز أبو البقاء أن يكون « أنْ يأتِي » في محلِّ رفعٍ على البَدَلِ من اسْمِ « عسى »، وفيه نظر.