يجوز في « أن » : أن تكُون المفسِّرة لمعنى الإيحَاءِ.
ويجوزُ أنْ تكون مصدريّةً؛ فتكونُ هي، وما بعدها مفعول الإيحَاءِ.
قوله :﴿ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ قرأ العامَّةُ :« تَلَقَّفُ » بتشديد القافِ، من « تَلَقَّفَ » والأصلُ :« تَتَلَقَّفُ » بتاءيْنِ، فحذفت إحداهُمَا، إمَّا الأولى، وإمَّا الثانية وقد تقدَّم ذلك في نحو ﴿ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ].
والبزِّيُّ : على أًلها في إدغامِهَا فيما بعدها، فيقرأُ :« فإذا هي تَّلَقَّفُ » بتشديد التاء أيضاً، وقد تقدم تحقيقه عند قوله :﴿ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث ﴾ [ البقرة : ٢٦٧ ].
وقرأ حفصٌ « تَلْقَفُ » بتخفيف القافِ من « لَقِفَ » ك « عَلِمَ يَعْلَمُ »، ورَكِب يَرْكَبْ «.
يقال : لَقِفْتُ الشَّيءَ ألْقَفُهُ لَقْفاً، ولَقَفَاناً، وتَلقفتُهُ أتَلقَّفُهُ تَلَقُّفاً : إذا أخَذْتهُ بِسُرعةٍ، فأكَلْتَهُ أو ابْتَلَعْتَهُ.
وفي التفسير : أنها ابتلعَتْ جميع ما صَنَعُوه، وأنشدُوا على : لَقِفَ يَلْقَفُ، ك »
عَلِمَ يَعْلَمُ « قول الشَّاعِر :[ السريع ]

٢٥٤٣ - وأنتَ عَصَا مُوسَى الَّتي لَم تَزَلْ تَلْقَفُ مَا يَصْنَعُهُ السَّاحِرُ
ويُقَالُ : رَجُلٌ ثقفٌ لقفٌ، وثَقِيفٌ لَقِيفٌ، بَيِّن الثَّقافة واللَّقَافة. ويُقَالُ : لَقِفَ ولَقِمَ بمعنى واحدٍ، قاله أبُو عُبيدٍ.
ويقالُ : تَلْقَفُ، وتَلْقَمُ، وتَلْهَمُ : بمعنىً واحدٍ.
والفَاءُ في »
فإذَا هِيَ « يجوزُ أن تكُون العاطفة، ولا بُدَّ من حَذْفِ جملةٍ قَبْلهَا ليترتَّبَ ما بعد الفاءِ عليها، والتقديرُ :» فألْقَاهَا فإذا هِيَ «.
وَمَنْ جوَّز أن تكون الفاءُ زائدةً في نحو :»
خَرَجْتُ فإذا الأسَدُ حَاضِرٌ « جوَّز زيادتها هُنَا.
وعلى هذا فتكونُ هذه الجملةُ قد أوحيت إلى موسى كالَّتي قَبْلَهَا.
وأمَّا على الأوَّل - أعني كون الفاءِ عاطفةً - فالجملةُ غير موحى بها إليه.
قوله :»
مَا يَأفكونَ « يجوزُ في » ما « أن تكون بمعنى » الذي « والعائدُ محذوفٌ، أي : الذي يأفِكُونهُ.
ويجوز أن تكُون »
ما « مصدرية، » والمصدر « حينئذٍ واقعٌ موقعَ المفعُولِ به، وهذا لا حَاجةَ إلَيْهِ.
وذلك قولُهُ :﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ يَجُوز أن تكون »
ما « بمعنى » الذين «، فيكونُ المعنى : بَطَلَ الحبالُ والعِصيُّ الذي عملوا به السِّحر : أي : زَالَ، وذهب بِفُقْدانِهَا، وأن تكون مصدرية، أي : وبطل الذي كانوا يعملونه، أو عملهم.
وهذا المصدرُ يجوزُ أن يكون على بابه.
وأن يكون واقعاً موقع المفعول به. بخلاف »
مَا يَأفكُون « فإنَّ يتعيَّنُ أن يكُونُ واقعاً موقع المفعُول به ليصحَّ المعنى؛ إذ اللَّقْفُ يستدعي عَيْناً يصحُّ تسلُّطُه عليها.
ومعنى الإفكِ في اللُّغةِ : قلبُ الشَّيءِ عن وجْههِ، ومنه قِيلَ للكذبِ إفْكٌ، لأنَّهُ مقلْوبٌ عن وجهه.
قال ابنُ عبَّاسٍ :»
مَا يَأفِكُونَ « يُريدُ : يَكْذِبُونَ، والمعنى : أنَّ العصا تلقَفُ ما يأفِكُونَهُ، أي : يَقْلِبُونَهُ عن الحَقِّ إلى البَاطِلِ.


الصفحة التالية
Icon