قوله تعالى :﴿ لِفِتْيَانِهِ ﴾ قرأ الأخوان، وحفص :« لِفِتْيَانهِ »، والباقون :« لِفِتْيَتهِ » قال أبو عليِّ الفارسيُّ رحمه الله :« الفِتْيَان جمعُ كثرة، والفِتْيَةُ : جمعُ قلَّةٍ، فالتكثير بالنسبة إلى المأمُورينَ، والقلةُ بالنسبة إلى المُتنَاولينَ، وفتًى : يجمعُ على فِتيَانٍ، وفِتْيَة، وقد تقدَّم هل فِعْلة في الجموع اسم جمعٍ، أو جمعُ تكسير، ومثله » أخ « ؛ فإنه جمع على أخوةٍ وإخوان؛ وهما لغتانح بمثل الصِّبيان والصِّبْيَة ».
فصل
اتفق الأكثرون على أنه ﷺ أمر بوضعِ تلك البضاعة وهي ثمُ طعامهم، في رحالهم بحيثُ لا يعرفون ذلك.
وقيل : إنَّهم كانوا عارفين به.
وهي ضعيفُ؛ لقوله :﴿ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
وذُكِر في السبب الذي لأجله أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم وجوهاً :
أولها : أنَّهم إذ فتحُوا المتاع، فوجدوا بضاعتهم فيهح علموا أنَّ ذلك كرمٌ من يوسف؛ فيبعثهم ذلك على العود إليه.
وثانيها : خاف ألاَّ يكون عندهم غيره؛ لأنَّه زمان قحطٍ.
وثالثها : رأى أنَّ أخذ ثمنِ الطّعامِ من أبيه، وإخوته شدة حاجتهم إلى الطعام لؤمٌ.
ورابعها : قال الفراء رحمه الله : إنَّهم متى شاهدُوا بضاعتهم في رحالهم؛ فيحسبوا أنَّ وقع سهواً، وهم أنبياء وأولاد أنبياء؛ فيحملهم ذلك على رد البضاعةِ؛ نفياً للغلطِ ولا يستحلُّون إمساكها.
وخامسها : أراد أن يُحسِنَ إليهم على وجهٍ لا يلحقهم منه عتب، ولا منَّة.
وسادسها : قال الكلبيُّ : تخوَّف ألاَّ يكون عند أبيه من الورقِ ما يرجعون به مرة أخرى.
وسابعها : أنَّ مقصودهُ أن يعرفوا أنَّه لم يطلب أخاهم؛ لأجل الإيذاء والظلم؛ وإلا لطلب زيادةَ في الثمَّنِ.
وثامنها : أن يعرف أباه أنه أكرمهم، وطلبهم بعد الإكرام؛ فلا يثقلُ على أبيه إرسالُ أخيه.
وتاسعها : أراد أن يكون ذلك المالُ معونةً لهم على شدَّة الزمن وكان يخافُ اللصوص من قطع الطَّريق، فوضع الدَّراهم في رحالهم؛ حتى تبقى مخفية إلى أن يصلوا إلى أبيهم.
وعاشرها : أنه قالب مبالغتهم في الإساءة مبالغة في الإحسان إليهم.
وقوله :﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ يحتمل أن يكون متعدٍّياً، وحذف مفعوله، أي : يرجعون البضاعة؛ لأنه عرف دينهم ذلك، وأن يكون قاصراً بمعنى يرجعون إلينا.
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنَّهُم لما طلبوا الطعام لأبيهم وللأخ الباقي عند أبيهم، منعوا منه.
والثاني : أنَّه منع الكيل في المستقبلِ، وهو قول يوسف :﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ [ يوسف : ٦٠ ]، قال الحسنُ رحمه الله : معناه : يمنعُ منَّا الكيل إنْ لم نحمل أخانا معنا، وهذا أولى؛ لأنه لم يمنعهُم الكيل؛ بل اكتالَ لهم، وجهَّزهم، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى :﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾، والمراد بالكَيْلِ : الطعامُ؛ لأنه يكالُ.