قال ابن الخطيب : تقدم الكلام في الحمد، والذي أقوله ها هنا : إن التسبيح أينما جاء فإنما جاء مقدماً على التحميد؛ ألا ترى أنه يقال :« سبحان الله والحمد لله ».
وإذا عرف هذا، فنقول : إنه تعالى - جلَّ جلاله - ذكر التسبيح عندما أخبر أنَّه أسرى بمحمد ﷺ فقال :﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ [ الإسراء : ١ ] وذكر التحميد عندما ذكر إنزال الكتاب عليه فقال :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب ﴾.
ثم قال : والمشبهة استدلوا بلفظ الإسراء في السورة المتقدمة وبلفظ الإنزال في هذه السورة على أنه تعالى مختص بجهة فوق.
والجواب عنه مذكور في سورة الأعراف في تفسير قوله ﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ].
واعلم : أنه تعالى أثنى على نفسه بإنعامه على خلقه، وخصَّ رسوله ﷺ بالذكر؛ لأنَّ إنزال الكتاب القرآن عليه كان نعمةً عليه على الخصوصِ وعلى سائر الناسِ على العمومِ.
أما كونه نعمة عليه؛ فلأنه تعالى أطلعه بواسطة هذا الكتاب الكريم على أسرار علم التَّوحيد والتَّنزيه وصفات الجلال وأحوال الملائكة وأحوال الأنبياءِ وأحوالِ القضاء والقدر، وتعلُّق أحوال العالم السفليِّ بأحوال العالم العلوي، وتعلق أحوال عالم الآخرة بعالم الدنيا، وكيفية نزول القضاء من عالم الغيب، وذلك من أعظم النِّعم، وأمَّا كونه نعمة علينا؛ فلأنه مشتملٌ على التكاليفِ والأحكامِ والوعد [ والوعيد ] والثوابِ والعقاب، فكلُّ واحدٍ ينتفعُ به بمقدار طاقته وفهمه.
قوله :﴿ وَلَمْ يَجْعَل ﴾ : في هذه الجملة أوجهٌ، أحدها : أنها معطوفة على الصلة قبلها. والثاني : أنها اعتراضية بين الحال وهي « قَيِّما » وبين صاحبها وهو « الكتاب ». والثالث : أنها حالٌ من « الكتاب »، ويترتب على هذه الأوجه القول في « قَيِّماً ».
قوله :﴿ قَيِّماً ﴾ : فيه أوجه : الأول : أنه حال من « الكتاب ». والجملة من قوله « ولم يجعل » اعتراض بينهما. وقد منع الزمخشري ذلك فقال :« فإن قلت : بم انتصب » قَيِّماً « ؟ قلت : الأحسن أن ينتصب بمضمرٍ، ولم يجعل حالاً من » الكتاب « لأن قوله » ولم يجعل « معطوف على » أنْزلَ « فهو داخلٌ في حيِّز الصلةِ، فجاعله حالاً فاصلٌ بين الحالِ وذي الحال ببعض الصلة »، وكذلك قال أبو البقاء. وجواب هذا ما تقدَّم من أن الجملة اعتراضٌ لا معطوفة على الصِّلة.
الثاني : أنه حالٌ من الهاءِ في « لهُ ». قال أبو البقاءِ :« والحالُ مؤكدة. وقيل : منتقلة ». قال شهاب الدين : القول بالانتقالِ لا يصحُّ.
الثالث : أنه منصوب بفعلٍ مقدرٍ، تقديره : جعله قيِّماً. قال الزمخشري :« تقديره : ولم يجعل له عوجاً، جعله قيِّماً، لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة ».