قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ ﴾ الآية.
لما أقام الحجة، على مشركي قريش المنكرين للبعض، وأتبعه بالوعيد حكى عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام، فقالوا : لو كنتم انتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا، لأنَّ الحكيمَ لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة، وإنما كان الأمر بالعكس، فإنَّ الكفار في النعمة والراحة والاستعلاء، والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة، فدل على أنَّ الحق ليس من المؤمنين، هذا حاصل شبهتهم.
وقوله :﴿ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ ﴾ أي : واضحات، وقيل : مرتلات، وقيل : ظاهرات الإعجاز.
﴿ قَالَ الذين كَفَرُواْ ﴾ يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش ﴿ لِلَّذِينَ آمنوا ﴾ يعني فقراء أصحاب النبي ﷺ، وكانت فيهم قشافة، وفي عيشهم خشونةٌ، وفي ثيابهم رثاثةٌ، وكان المشركون يرجلون شعورهم، ويلبسون خير ثيابهم، فقالوا للمؤمنين ﴿ أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً ﴾ منزلاً ومسكناً، وهو موضع الإقامة، « وأحْسَنُ نديًّا » أي : مجلساً، ومثله النادي.
قوله :« مَقَاماً ». قرأ ابن كثير « مُقَاماً » بالضم.
ورُوِيَتْ عن أبي عمرو، وهي قراءة ابن محيصن وهو موضع الإقامة والمنزل.
والباقون بالفتح وفي كلتا القراءتين يحتمل أن يكون اسم مكان « أو اسم مصدر من قَامَ ثلاثياً، أو من أقَامَ أي : خير مكان » قياماً أو إقاَمَة.

فصل


قالوا : زيْدٌ خيرٌ من عمروٍ، وشرٌّ من بكر، ولم يقولوا : أخير منه، ولا أشرّ منه، لأنَّ هاتين اللفظتين كثر استعمالهما فحذفت همزتاهما، ولم يثبتا إلا في فعل التعجب، « فقالوا : أخير بزيدٍ وأشرر بعمرو، وما أخْيَر زيْداً ومَا أشرَّ عَمْراً.
والعلة في إثباتها في فعلي التعجب أنَّ »
استعمال هاتين اللفظتين اسماً أكثرُ من استعمالهما فعلاً، فحذفت الهمزةُ في موضع « الكثرة، وبقيتْ على أصلها في موضع » القلة ثابتة. والنَّديّ فعيل، أصله : نَدِيو، لأنَّ لامه واو، يقال : ندوتُهُمْ أندوهم، أي : أتَيْتُ نَاديَهُمْ والنَّادِي، مثله، ومنه :﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ أي : أهل ناديه. والنَّدِيِّ والنَّادي مجلس القوم ومحدثهم.
وقيل : هو مشتق من النَّدى، وهو الكرم، لأنَّ الكرماء يجتمعون فيه. وانْتَديْتُ المكان والمنتدى كذلك، « وقال حاتم » :
٣٦١٩- ودُعِيتُ في أولَى النَّديِّ ولَمْ يُنْظَر « إليّ بأ » عْيُنٍ خُرْزِ
والمصدر النَّدو. و « مَقَاماً » و « نَدِيًّا » منصوبان على التمييز من أفعل.
وقرأ أبو حيوة والأعرج وابن محيصن « يُتْلَى » بالياء من تحت، والباقون بالتاء من فوق. واللام في « اللَّذينَ » يحتمل أن تكون للتبليغ، وهو الظاهر، وأن تكون للتعليل.
قوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾. « كَم » مفعول مقدم، واجب التقديم، لأنَّ له مصدر الكلام، لأنها إمَّا استفهامية أو خبرية، وهي محمولة على الاستفهامية.


الصفحة التالية
Icon