قوله :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ الآية. قال بعض أهل العلم « إنَّ » ههنا بمعنى ( إلا ) أي : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى.
قال ابن الخطيب : قد بينا فساد هذا القول، وذكرنا أنَّ سؤال ابن الزبعرى لم يكن وارداً، فلم يبق إلا أحد أمرين :
الأول : أن يقال : إنَّ عادة الله تعالى أنه متى شرح عقاب الكفار أردفه بشرح ثواب الأبرار، فلهذا ذكر هذه الآية عقيب تلك الآية فهي عامة في حق كل المؤمنين.
الثاني : أن هذه الآية نزلت في تلك الواقعة لتكون كالتأكيد في دفع سؤال ابن الزبعرى ثم قال : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا هو الحق، أجراها على عمومها، فتكون الملائكة والمسيح وعزير - عليهم السلام- داخلين فيها، لا أنّ الآية مختصة بهم. ومَنْ قال العبرة بخصوص السبب خصص قوله :« إنَّ الَّذِينَ » بهؤلاء فقط.
قوله :« مِنَّا » يجوز أن يتعلق ب « سَبَقَتْ »، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « الحُسْنَى » قال الزمخشري :« الحُسْنَى » الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي إما السعادة، وإما البشرى بالثواب، وإما التوفيق للطاعة ثم شرح أحوال ثوابهم فقال :﴿ أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾. قال أهل العفو معناه : أولئك عنها مخرجون، واحتجوا بوجهين :
الأول : قوله ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ [ مريم : ٧١ ] أثبت الورود، والورود الدخول، فدل على أن هذا الإبعاد هو الإخراج.
والثاني : أن إبعاد الشيء لا يصح إلا إذا كانا متقاربين لأنهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر، لأنّ تحصيل الحاصل محال.
وقال المعتزلة :﴿ أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ لا يدخلون النار ولا يقربونها ألبتة. واحتج القاضي عبد الجبار على فساد الأول بأمور :
أحدها : أنَّ قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ يقتضي أنّ الوعد بثوابهم قد تقدم في الدنيا، وليس هذا حال من يخرج من النار.
وثانيها : أنه تعالى قال :﴿ أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ فكيف يدخل في لك من وقع فيها.
وثالثها : قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ وقوله :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ يمنع من ذلك. والجواب عن الأول لا نسلم أنّ المراد من قوله ﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ هو أن الوعد بثوابهم قد تقدم، ولم لم يجوز أن يكون المراد من « الحُسْنَى » تقدم الوعد بالثواب، ( لكن لم قلتم إن الوعد بالثواب لا ) يليق بحال من يخرج من النار فإن عنده المحابطة باطلة، ويجوز الجميع بين استحقاق الثواب والعقاب. وعن الثاني : أنا بينا أنّ قوله :﴿ أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار. وعن الثالث : أن قوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ مخصوص بما بعد الخروج.


الصفحة التالية
Icon