قوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ الآيات العشر، روى ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :« كان إذا نزل على رسول الله - ﷺ - الوحي يسمع عند وجهه كَدَوِيّ النحل فَمَكَثْنَا ساعة، وفي رواية : فنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة، فَاسْتَقْبَلَ القبلة فرفع يديه، وقال :» اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقِصْنَا، وأكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وأعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا وَارْضَ عَنَّا « ثم قال :» لَقَدْ أُنْزِلَ علينا عشر آيات مَنْ أَقَامَهُنَّ دخل الجنة « ثم قرأ :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ عشر آيات » ورواه الإمام أحمد، وعلي بن المديني، وجماعة عن عبد الرزاق وقالوا :« وَأعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا وارْضَ عَنَّا ».
قوله :« قَدْ » هنا للتوقع، قال الزمخشري :« قد » نقيضة « لَمَّا » قد تثبت المتوقع ولما تنفيه، ولا شك أنّ المؤمنين كانوا متوقعين لهذه البشارة، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم، فخوطبوا بما دلّ على ثبات ما توقعوه. وقال البغوي : قد حرف تأكيد. وقال المحققون : قد يقرب الماضي من الحال يدل على أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال. وهو أبلغ من تجريد ذلك الفعل.
والعامة على « أَفْلَحَ » مفتوح الهمزة والحاء فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل، وورش على قاعدته من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذفها. وعن حمزة في الوقف خلاف، فروي عنه كورش وكالجماعة. وقال أبو البقاء : من أَلْقَى حركة الهمزة على الدال وحذفها فعلّته أنَّ الهمزة بعد حذف حركتها صُيِّرت ألفاً، ثم حذفت لسكونها ( وسكون الدال قبلها في الأصل ولا يُعْتَدُّ بحركة الدال لأنها عارضة. وفي كلامه نظر من وجهين :
أحدهما : أنَّ اللغة الفصيحة في النقل حذف الهمزة من الأصل فيقولون : المَرَة والكَمَة في المَرْأة والكَمْأَة، واللغة الضعيفة فيه إبقاؤها وتدبيرها بحركة ما قبلها، فيقولون : المَرَاة والكَمَاة بمدة بدل الهمزة ك ( رَاس وفَاس ) فيمن خففها، فقوله : صُيّرت ألفاً. ارتكاب لأضعف اللغتين.
الثاني : أنه وإن سُلم أنها صُيّرت ألفاً فلا نُسلّم أنَّ حذفها ) لسكونها وسكون الدال في الأصل بعد حذفها لساكن محقق في اللفظ، وهو الفاء من « أَفْلَحَ »، ومتى وجد سبب ظاهر أُحيل الحكم عليه دون السبب المقدر. وقرأ طلحة بن مُصرّف وعمرو بن عبيد « أُفلح » مبنياً للمفعول، أي : دخلوا في الفلاح فيحتمل أن يكون من أَفْلَح متعدياً، يقال : أفلحه، أي : أصاره إلى الفلاح، فيكون « أَفْلَحَ » مستعملاً لازماً ومتعدياً.
وقرأ طلحة أيضاً :« أَفْلَحُ » بفتح الهمزة واللام وضم الحاء، وتخريجها على أنّ الأصل أفلحوا المؤمنون، بإلحاق علامة جمع قبل الفاعل كلغة : أكلوني البراغيثُ، فيجيء فيها ما تقدم في قوله :


الصفحة التالية
Icon