قوله :« وَيَوْمَ تَشَقَّقُ » العامل في « يَوْمَ » إمّا ( اذكر )، وإمّا ينفرد الله بالمُلْكِ يَوْمَ تشقق، لدلالة قوله :﴿ الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن ﴾ عليه. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو [ هنا وفي ( ق ) « تَشَقَّقُ » بالتخفيف، والباقون بالتشديد، وهما واضحتان، حذف الأولون ] تاء المضارعة أو تاء التفعل على خلاف في ذلك، والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة، وهما ك « تَظَاهَرُونَ » و « تَظَّاهَرُونَ » حذفاً وإدغاماً، وقد مضى في البقرة. قوله :« بِالغَمَامِ » في هذه الباء ثلاثة أوجه :
أحدها : على السببية، أي : بسبب الغمام، يعني بسبب طلوعها منها، ونحوه السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴿ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [ المزمل : ١٨ ] كأنه الذي يتشقق به السماء.
الثاني : أنها للحال، أي : مُلتَبِسَةً بالغمام.
الثالث : أنها بمعنى ( عَنْ )، أي : عن الغَمَام كقوله :﴿ ( يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ ) ﴾ [ ق : ٤٤ ]، [ والباء وعن يتعاقبان، تقول : رميت عن القوس وبالقوس ].
قوله :« وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ » فيها اثنتا عشرة قراءة ثنتان في المتواتر، وعشر في الشاذ. فقرأ ابن كثير من السبعة « وَنُنْزِلُ » بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع ( أَنْزَلَ )، و « المَلاَئِكَةَ » بالنصب مفعول به، وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على ( إِنْزَال ). قال أبو علي : لما كان ( أَنْزَلَ ) و ( نَزَّلَ ) يجريان مجرى واحداً أجزأ مصدر أحدهما عن مصدر الآخر، وأنشد :
٣٨٧٢- وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الحِضْبِ... لأنَّ تَطَوَّيْتُ وانْطَويْتُ بمعنى، ومثله :﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ [ المزمل : ٨ ] [ أي : تَبَتُّلاً ] وقرأ الباقون من السبعة « وَنُزِّلَ » بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام ماضياً مبنيًّا للمفعول، « المَلاَئِكَةُ » بالرفع لقيامه مقام الفاعل، وهي موافقةٌ لمصدرها.
وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء « وَنَزَّلَ » بالتشديد ماضياً مبنيًّا للفاعل، وهو الله تعالى، « المَلاَئِكَةَ » مفعول به. وعنه - أيضاً - « وَأَنْزَلَ » مبنيًّا للفاعل عداه بالتضعيف مرة، وبالهمزة أخرى، والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن ابن كثير. وعنه - أيضاً - « وَأُنْزِلَ » مبنيًّا للمفعول.
وقرأ هارون عن أبي عمرو « وَتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ » بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعاً مبنيًّا للفاعل، « المَلاَئِكَةُ » بالرفعِ مضارع « نَزَّلَ » بالتشديد، وعلى هذه القراءة، فالمفعول محذوف، أي : وتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ ما أُمِرَتْ أن تُنَزِّله.
وقرأ الخفَّاف عنه، وجناح بن حبيش « وَنَزَلَ » مخففاً مبنيًّا للفاعل، « المَلاَئِكَةُ » بالرفع. وخارحة عن أبي عمرو - أيضاً - وأبو معاذ « ونُزِّلَ » بضم النون وتشديد الزاي، ونصب « المَلاَئِكَةَ »، والأصل : ونُنْزِلُ بنونين حذفت ( إحداهما ) وقرأ أبو عمرو وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل « ونُنَزِّلَ » بنونين وتشديد الزاي.


الصفحة التالية
Icon