فإن ذكر مع « الأحد » وأخوته وجب الرفع على المشهور، وتحقيقها مذكور في [ كتب ] النحو.
فصل في قصة عدوانهم بالصيد
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال : هؤلاء القوم كانوا في زمان دَاوُدَ ﷺ ب « أيلة » على ساحل البحر بين « المدينة » و « الشام » وهو مكان يجتمع إليه الحيتان من كل أرض في شهر من السّنة حتى لا يرعى الماء لكثرتها، وفي غير ذلك الشهر في كل سَبْت يجتمعون هناك حتى يخرجن بخراطيمهن من لماء لأمنها، فإذا مَضَى السَّبت تفرقن، ولزمن قَعْرَ البحر فذلك قوله :﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ ﴾ [ الأعراف : ١٦٣ ] فعمد رجال فحفروا حِيَاضاً عند البحر، وشرعوا إليها الجَدَاول، فإذا كانت عشية يوم الجمعة فَتَحُوا تلك الجداول، فكانت الحيتان تدخل إلى الحِيَاض، فلا تطيق الخروج منها لبعد عُمْقِها، وقلّة الماء، فيأخذونها يوم الأحد.
وقيل : كانوا ينصبون الحَبَائل والشّصُوص يوم الجمعة، ويخرجونها يوم الأحد، وذلك هو اعتداؤهم، ففعلوا ذلك زماناً واشتغلوا وهم خائفون من العقوبة، فلما طال العَهْدُ، و لم تنزل عقوبة قَسَتْ قلوبهم [ وتجرءوا ] على الذنب فاسْتَنّ الأبناء بِسُنَّة الآباء، واتخذوا الأموال، وقالوا : ما نرى السبت إلاّ وقد أحل لنان فمشى إليهم طوائف من أهل المدينة الذين كرهوا الصيد في السبت، ونهرهم عن ذلك فلم ينتهوا، وقالوا : نحن في هذا العمل منذ زمان، فما زادنا الله به إلا عِزًّا فقيل لهم : لا تفتروا فربما نزل بكم العَذَابُ، فانقسموا ثلاثة أصناف : صنف أَمْسَكَ وانتهى، وصنف ما أمسك ولم يَنْتَهِ، وصنف انتهكوا الحرمة فلما أبوا قَبُولَ النصح قال الناهون : والله لا ننساكم فقسموا القرية بجدار، ومكثوا على ذلك سنين، فلعنهم داود ﷺ وغضب الله تعالى عليهم لإصرارهم على المعصية، فخرج النَّاهون ذات يوم من بابهم، والمجرمون لم يفتحوا بابهم، ولم يخرج منهم أحد فلما أبطئوا تَسَوروا عليهم الحائط، فإذا هم جميعاً قدرة خاسئين.
فإن قيل : إذا كانوا قد نهوا عن الاصْطِيَاد يوم السَّبت، فما الحكمة في أن أكثر الحيتان يوم السَّبت دون سائر الأيام؟
فالجواب : أما على مذهب أهل السُّنة فإرادة الإضلال جائزة من لله تعالى.
وأما على مذهب المعتزلة، فالتشديد في التكاليف حسن لغرض ازياد الثواب.
و « قِردَةً خَاسِئِيْنَ » يجوز فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن يكونا خبرين، قال الزَّمخشري :« أي : كونوا جامعين بين القِردَيّة والخسوء ».
وهذا التقدير منه بناء على أن الخبر لا يتعدّد، فلذلك قدرهما بمعنى خبر واحد من باب :« هذا حُلْو حَامض » وقد تقدّم القول فيه.