﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] وهذا نهاية المبالغة في المنع من إيذائهما إلى أن قال :﴿ وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [ الإسراء : ٢٤ ] فصرّح ببيان السّبب في وجوب هذا التعظيم، وكذلك قوله :﴿ وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً ﴾ [ لقمان : ١٥ ] صريح في الدّلالة.
و « ذِي الْقُرْبى » وما بعده عطف على المجرور بالباء، وعلامة الجر فيها الياء؛ لأنها من الأسماء الستة التي ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء بشروط مذكورة، وهل إعرابها بالحروف أو بغيرها؟ عشرة مذاهب للنَّحويين فيها.
وهي من الأسماء اللاَّزمة للإضافة لفظاً ومعنى إلى أسماء الأجناس الظاهرة؛ ليتوصّل بذلك إلى وصف النكرة باسم الجنس؛ نحو :« مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مَالٍ » وإضافته إلى المضمر ممنوعةٌ إلا في ضرورة أو نادر كلام؛ كقوله :[ الوافر ]
٦١٥ صَبَحْنَا الْخزرَجِيَّةَ مُرْهَفَاتٍ | أَبَانَ ذَوِي أَرُومَتِهَا ذَوُوهَا |
٦١٦ إِنَّما يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ | في النَّاسِ ذَوُوهُ |
وإضافته إلى العلم قليلة جدًّا، وهي على ضربين :
واجبة : وذلك إذا اقترنا وضعاً، نحو :« ذي يزن » و « ذي رعين ».
وجائزة وذلك إذا لم يقترنا وضعاً، نحو :« ذي قطري » و « ذي عمرو » أي : صاحب هذا الاسم.
وأقل من ذلك إضافتها إلى ضمير المخاطب؛ كقوله :[ الطويل ]
٦١٧ وَإِنَّا لَنَرْجُو عَجِلاً مِنْكَ مِثْلَ مَا | رَجَوْنَاهُ قِدْماً مِنْ ذَوِيكَ الأَفَاضِلِ |
و « القربى » مضاف إليه، وألفه للتَّأنيث، وهو مصدر ك « الرُّجْعَى والعُقْبَى »، ويطلق على قرابة الصُّلْب والرَّحِم؛ قال طَرَفَةُ :[ الطويل ]
٦١٨ وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً | عَلَى الْحُرِّ مِنْ وَقْعِ الْحُسَامِ الْمُهَنَّدِ |
٦١٩ وَقَرَّبْتُ بالْقُرْبَى وَجَدِّكَ إِنَّهُ | مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَدِ |
فصل
اعلم أن حقّ ذوي القُرْبى كالتَّابع لحق الوالدين؛ لأن اتصال الأقارب بواسطة اتِّصَال الوالدين، فلذلك أَخَّر الله تَعَالى ذكرهم بعد ذكر الوالدين، والسبب في تأكيد رعاية هذا الحق إلى القرابة؛ لأن القرابة مظنّة الاتِّحَاد والأُلْفَة والرعاية والنصرة، فهذا وجبت رعاية حُقُوق الأَقَارب.
فصل في أحكام تؤخذ من الآية
قال الشَّافعي رضي الله عنه : لو أوصى لأقارب زيد دخل فيه الوارث المَحرم، وغير المَحرَم، ولا يدخل الأب والابن؛ لأنها لا يعرفان بالقَرابَة، ويدخل الأحفاد والأجداد.
وقيل : لا يدخل الأصول والفروع.