قوله تعالى :﴿ ألم. تلك آيات الكتاب الحكيم ﴾ تلك إشارة إلى غائب، والمعنى آيات القرآن ( أي ) آيات الكتاب الحكيم. والحكيم ( قيل ) : فعيلٌ بمعنى مُفْعَل وهذا قليل. قالوا عَقَدْتُ اللَّبَنَ فَهُوَ عَقِيدٌ، ( أو بمعنى فاعل ) أو بمعنى ذي الحكمة أو أصله الحكيمُ قائِلُهُ ( ثم ) حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ وهو الضمير المجرُور، فانقلب مرفوعاً فاسْتَتَرَ في الصِّفة قاله الزمخشري، وهو الحسن الصِّنَاعِة.
قوله :« هَدىً وَرَحْمَةً » العامة على النصب على الحال من « آيات » والعامل ما في اسم الإشارة من معنى الفعل او المَدْح. وحمزةُ بالرفع على خبر مبتدأ مضمر وجوز بعضهم أن يكون « هدى » منصوباً على الحال رفع « رحمة ». قال : ويكون رفعها على خبر ابتداء مضمر، ( وجوز بعضم أن يكونَ هُدىً ) أي وهو رحمة وفيه بُعْدٌ.

فصل


قال في البقرة : ذَلِكَ الكِتَابُ، ولم يقل :« الحَكِيمُ » وههنا قال :« الحَكِيمُ » ؛ لأنه لما زاد ذكرَ وصفٍ في الكتاب زاد ذكر أمر أحواله فقال هدى ورحمة وقال هناك :« هدى للمتقين »، فقوله :« هدى » ( في مقابلة قوله :« الكتاب » وقوله :« ورحمة » ) مقابلة قوله « الحكيم » ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذو الحكمة كقوله تعالى :﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٦٩ ] أي ذات رضا وقال هناك « لِلْمُتَّقِينَ » وقال هنا :« للمُحْسِينِيَ » ؛ لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئاً آخر قال :« لِلْمُتَّقِين » أي يهدى ( به ) من يتقي من الشرك والعناد، وههنا زاد قوله :« وَرَحْمَة » فقال :« لِلْمُحْسِنِينَ » ؛ لأن رحمة الله قريبٌ من المحسنين وقال تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦ ] فناسب زيادة قوله « وَرَحْمَة »، ولأن المحسن يتقي، ( وزيادة ).
قوله :« الذين يقيمون » صفة أبو بدل أو بيان لما قبله، أو منصوب أو مرفوع على القطع وعلى كل تقدير فهو تفسير للإحسان. وسئل الأصمعي عن الألمعي فنشد :
٤٠٤٩ - الأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الظَّنْ نَ كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا
يعني أن الألمعي هو الذي إذا ظن شيئاً كان كمن رآه وسمعه كذلك المحسنون هم الذين يفعلون هذه الطاعات ومثله وسئل بعضهم عن الهلوع فلم يزد أن تلا :﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً ﴾ [ المعارج : ١٩ - ٢٠ ]

فصل


قال في البقرة :﴿ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة ﴾ [ البقرة : ٣ ] ولم يقل هنا : الذين يؤمنون بالغيب؛ لأن المتَّقِيَ هو التارك للكفر ويلزم منه أن يكون مؤمناً، والمؤمن هو الآتي بحقيقة الإيمان، ويلزمه أن لا يكونَ كافراً، فلما كان المتقي دالاً على المؤمن بالالتزام مدح بالإيمان هناك، ولما كان المحسن دالاً على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان.


الصفحة التالية
Icon