قوله تعالى :﴿ ياا أَيُّهَا النبي اتق الله ﴾ اعلم أن الفرق ين نداء المنادى بقوله :« يَا رَجُلُ » ويايُّهَا الرَّجُل، أن قوله :« يَا رَجُل » يدل على النداء، وقوله :« يا أيها الرجل » يدل على ذلك ويُنْبِىءُ عن خطر المادى له أو غفلة المنادى فقوله :« يأيها » لا يجوز حمله على غفلة النبي - ﷺ - لأن قوله :« النبي » ينافي الغفلة؛ لأن النبي - ﷺ - خبيرٌ، فلا يكون غافلاً، فيجب حمله على خَطَر الخَطْب.
فإن قيل : الأمر بالشيء لا يكون إلا عند عدم اشتغال المأمور بالمأمورية إذْ لا يصلح أن ( يكون ) يقال للجالس : اجلس وللساكت اسْكُتْ والنبي - ﷺ - كان متقياً فما الوجه في قوله « اتق الله » ؟.
فالجواب : أنه أمر ( بالمدينة ) بالمداومة فإنه يصح أن يقال للجالس : اجلس ههنا إلى أن يأتيك ويقال للساكت قد أصبت فاسكت تسلم أي دُمْ على ما أنت عليه، وأيضاً من جهة العقل أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي - عليه ( الصلاة و ) السلام لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني، وأما الثالث : فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا فكيف والأمور البدنية شاغلة فالآدَميُّ في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله وإلى هذا أشار بقوله :﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] يعني برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فأُمِرَ بتقوى توجب استدامة الحضور، وقال المفسرون : نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن أبي ( رأس المنافقين ) بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي - ﷺ - قولهم الأمان على أن يكلموه فقام ( معهم ) عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وطُعْمَةُ بن أُبَيْرِق فقالوا للنبي - ﷺ - وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ارفض ذكر آلهتنا اللاتَ والعُزَّى ومَنَاةَ وقل إن لها شفاعةً لمن عبدها وندعك وربَّك فشق على النبي - ﷺ - قولهم فقال عمر : يا رسول اللَّهِ ائذنْ لي في قتلهم. فقال : إني قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه وأمر النبي - ﷺ - عمر أن يُخْرِجَهُمْ من المدينة فأنزل الله :﴿ ياا أَيُّهَا النبي اتق الله ﴾ أي دُم على التقوى كما يقول ارجل لغيره وهو قائم :« قُمْ قائماً » أي اثبتْ قائماً، وقيل : الخطاب مع النبي - ﷺ - والمراد الأمة، وقال الضحاك معناه : اتق الله ولا تَنْقُضِ العهد الذي بينك وبينهم.


الصفحة التالية
Icon