قوله تعالى :﴿ والصافات صَفَّا ﴾ قرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء من « الصَّافَّاتِ » و « الزَّاجرَاتِ » و « التَّاليَاتِ » في صاد « صفاً » وزاي « زجراً » وذال « ذكراً » وكذلك فعلا في ﴿ والذاريات ذَرْواً ﴾ [ الذاريات : ١ ] وفي ﴿ فالملقيات ذِكْراً ﴾ [ المرسلات : ٥ ]، وفي ﴿ والعاديات ضَبْحاً ﴾ [ العاديات : ١ ] بخلافٍ عن خَلاَّدٍ في الأخيرين وأبو عمرو جار على أصله في إدغام المتقاربين كما هو المعروف من أصله وحمزة خارج عن أصله والفرق بين مذهبيهما أن أبا عمرو يجيز الروم وحمزة لا يجيزه وهذا كما اتفقا في إدْغَام ﴿ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ ﴾ [ النساء : ٨١ ] وإن كان ليس من أصل حمزة إدغام مثله وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك.
قال الواحدي : إدغام التاء في الصاد حسن مقاربة الحرفين، ألا ترى أنهما من طَرَف اللسان وأصول الثنايا يسمعان في الهمس والمدغم فيه يزيد على المدغم بالإطباق والصّفير وإدغام الأنقص في الأزيد حسن ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتاً في الأنقص.
وأيضاً إدغام التاء في الزاي في قوله :﴿ فالزاجرات زَجْراً ﴾ حسن لأن التاء مهموسة والزاي مجهورة وفيها زيادة صفير كما كان في الصاد وأيضاً حَسُنَ إدغام التاء في الذال في قوله :﴿ فالتاليات ذِكْراً ﴾ لاتفاقهما في أنهما من طَرَفِ اللسان وأصول الثنايا. وأما من قرأ بالإظهار فلاختلاف المَخَارج ومفعول « الصَّافَّاتِ » « والزَّاجِرَاتِ » غير مراد إذ المعنى الفاعلات لذلك وأعرب أبو البقاء « صَفًّا » مفعولاً به على أنه قد يقع على المصفوف وهذا ضعيف وقيل : وهو مراد والمعنى والصافات أنفسها وهم الملائكة، أو المجاهدون أو المصلون أو الصفات أجنحتها وهي الطير، كقوله :﴿ والطير صَآفَّاتٍ ﴾ [ النور : ٤١ ] والزاجرات : السحاب أو العصاة إن أريد بهم العلماء، والزجر الدفع بقوة وهو قوة التصويت وأنشد :
٤١٨٩- زَجْر أبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إِذَا | أشْفَق أَنْ يَخْتَلِطْنَ بالغَنَم |
وَزَجرت الإبلَ والغَنَمَ إذَا فَزِغَتْ مِنْ صَوْتِكَ وأما
« والتَّالِيَاتِ » فيجوز أن يكون
« ذكراً » مفعوله، والمراد بالذكر القرآن وغيره من تسبيح وتحميدٍ، ويجوز أن يكون
« ذكراً » مصدراً أيضاً من معنى التَّالِيَاتِ، وهذا أوفق لما قبله قال الزمخشري : الفاء في
« فالزاجرات » ( وفي ) فالتاليات إما أن تدل على ترتيب معانيهما في الوجود كقوله :
٤١٩٠- يَا لَهْفَ زيَّابَة لِلْحَارِث الصْ | صَابِحِ فَالغَانِم فَالآيِب |
أي الذي صبح فغنم فآب، وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل، وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله ( ﷺ ) :
« رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ فَالمُقَصِّرِينَ » فأما هنا فإن وجدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل، فإذا كان الموحد الملائكة فيكون الفضل للصف ثم للزجر، ثم للتلاوة وعلى العكس وإن ثَلَّثْتَ الموصوف فترتب في الفضل، فيكون
« الصافات » ذوات فضل والزجرات أفضل ( و التاليات أبهر فضلاً أو على العكس يعني بالعكس فيال موضعين أنك ترتقي من أفضل ) إلى فاضل إلى مفضول أو تبدأ بالأدنى ثم بالفاضل ثم بالأفضل.