قوله تعالى :﴿ ص ﴾ قرأ العامة بسكون الدال كسائر حروف التهجي في أوائل السور وقد مر ما فيه.
وقرأ أبيٌّ والحسنُ وابن أبي إسحاق وابن أبي عَبْلَة وأبو السّمَال بكسر الدال من غير تنوين وفيه وجهان :
أحدهما : أنه كسر لالتقاء الساكنين وهذا أقرب.
والثاني : أنه ( أمر ) من المصاداة وهي المعارضة ومنه صوت الصَّدَى لمعارضته لصوتك، وذلك في الأماكن الصُّلبة الخالية.
والمعنى عارض القرآن بعملك فاعل بأوامره ( وانته عن نواهيه قاله الحسن. وعنه أيضاً أنه من صَادَيْتُ أي حَادَثْتُ ) والمعنى حَادِث النَّاسَ بالقرآن، وقرأ ابنُ أبي إسْحَاقَ كذلك إلاَّ أنه نونه وذلك على أنه مجرور بحرف قسم مقدر حذف وبقي عمله كقولهم : اللَّهِ لاَفْعَلَنَّ بالجر إلا أن الجر يقل في غير الجلالة، وإنما صرفه ذهاباً به إلى معنى الكتاب أو التنزيل وعن الحسن أيضاً وابن السميقع وهَارونَ الأَعْورض صادُ ومنع من الصرف للعملية والتأنيث وكذلك قرأ ابن السَّمَيْقَع وهارُون قافُ ونونُ بالضم على ما تقدم وقرأ عيسى وأبو عمرو - في رواية محبوب - صَادَ بالفتح من غير تنوين وهي تحتمل ثلاثة أوجه : البناء على الفتح تخفيفاً كأينَ وكَيْفَ، والجر بحرف القسم المقدر وإنما منع من الصرف للعملية والتأنيث كما تقدم. والنصب بإضمار فعل أو على حذف حرف القسم نحو قوله :
٤٢٣٢- فَذَالكَ أَمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ... وامتنعت من الصرف لما تقدم. وكذلك قرأ قاف ونون بالفتح فيهما وهما كما تقدم ولم يحفظ التنوين مع الفتح والضم.

فصل


قيل : هذا قسم، وقيل : اسم للسورة كما ذكر في الحروف المقطعة في أوئل السور قال محمد بن كعب القُرَظِيّ :( ص ) اسم الصّمد وصادق الوعد وقال الضحاك : معناه صدق الله وروي عن ابن عباس صدق محمد ﷺ وقيل معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها وسلتم قادرين على معارضته.
فإن قيل : قوله ﴿ والقرآن ذِي الذكر ﴾ قسم فأين المقسم عليه؟.
فالجواب من وجوه :
أحدهما : قال الزجاج والكوفيون غير الفراء : هو قوله :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ ﴾ [ ص : ٦٤ ] قال الفراء : لا نجده مستقيماً لتأخيره جداً عن قوله ﴿ والقرآن ﴾ وقال ثعلب والفراء هو قوله :« كَمْ أَهْلَكْنَا » والأصل :« لكم أهلكنا » فحذف اللام كما حذفها في قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩ ] بعد قوله :﴿ وَالشَّمْسِ ﴾، لما طال الكلام.
الثالث : قال الأخفش هو قوله :« إنْ كُلُّ لَمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ » كقوله :﴿ تالله إِن كُنَّا ﴾ [ الشعراء : ٩٧ ] وقوله :﴿ والسمآء والطارق ﴾ ﴿ إِن كُلُّ ﴾ [ الطارق : ١و ٤ ]
الرابع : قوله :﴿ إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا ﴾ [ ص : ٥٤ ].
الخامس : هو قوله :« ( ص ) » لأن المعنى والقرآن لقد صدق محمد قاله الفراء وثعلب أيضاً؛ وهذا بناء منهما على جواز تقديم جواب القسم وأن هذه الحرف مقتطع من جملة دالّ هو عليها وكلاهما ضعيف.


الصفحة التالية
Icon