قوله تعالى :« حم عسق » تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح.
وسئل الحُسينُ بنُ الفضل : لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص فقال : لأنها سور أوائلها « حم » فجرت مجرى نظائرها. كأنَّ « حم » مبتدأ « عسق » خبره، ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل : كهيعص، والمص والمر عدت آية واحدة. وقيل : لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص، وأخواتها، لأنها حروف التهجي لا غير.
واختلفوا في « حم » فأخرجها بعضهم من حيِّز الحروف، وجعلها فعلاً. وقيل : معناه حُمَّ أي قضي ما هو كائن. روى عكرمة عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه قال :« ح » حلمه « م » مجده « ع » عمله، « س » سناؤه، « ق » قدرته أقسم الله بها. وقال شهرُ بن حوشب وعطاءُ بن أبي رباح :« ح » حرب يعِزُّ فيها الذليل ويذلُّ فيها العزيز من قريش « م » ملكُ يتحول مِنْ قوم إلى قوم « ع » عدوٌّ لقريش يقصدهم « س » سبيٌ يكون فيهم « ق » قُدرةُ الله النافذة في خلقه؛ ورُوِيَ عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أنه قال : ليس من نبي صاحب كمتاب إلا وقد أوحيت إليه حم عسق فلذلك قال : يُوحى إليك وإلى الَّذِين من قبلك وعلى هذا فقوله ﴿ الله العزيز الحكيم ﴾ تبيين للفاعل كأنه قال : من يوحي؟ فقيل : الله العزيزُ الحيكم كما سيأتي. وقرأ ابنُ عباس وابنُ مسعود حمَ سَق.
قوله :« كَذَلِكَ يُوحِي » القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيًّا للفاعل، وهو الله تعالى، والعزيز الحكيم نعتان، والكاف منصوبة المحل إما نعتاً لمصدر، أو حالاً من ضميره، أي يوحي إيحاءً مثل ذلك الإيحاء.
وقرأ ابن كثير وتُرْوَى عن أبي عمرو يُوحَى بفتح الحاء مبنياً للمجهول وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :
أحدها : ضمير مستتر يعود على كذلك، لأنه مبتدأ، والتقدير مثلُ ذلك الإيحاء يُوحَى هو إليك. « فمِثْلُ ذَلِك » مبتدأ، و « يُوحَى إِلَيْكَ » خبره.
الثاني : أن القائم مقام الفاعل « إليك » والكاف منصوبة المحل على الوجهين المقتدمين.
الثالث : أن القائم مقامه الجملة من قوله « اللهُ العزيزُ » أي يُوحى إليك هذا اللفظُ. وأصول البصريين لا تساعد عليه؛ لأن الجملة لا تكون فاعلةً ولا قائمةً مقامه. وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نُوحي بالنون وهي موافقة العامة. ويحتمل أن تكون الجملة من قوله :﴿ الله العزيز الحكيم ﴾ منصوبة المحل مفعولة بنُحي أي نُوحِي إليك هذا اللفظ، إلا أنَّ فيه حكاية الجملة بغير القول الصريح.