و « الحمد » هنا : مصدر مُضَاف لمفعوله، وفاعله محذوف تقديره بحمدنا إيّاك، وزعم بعضهم أنّ الفاعل مضمر فيه، وهو غلط؛ لأنَّ المصدر اسم جامد لا يضمر فيه على أنه قد حكي الخِلاَف في المصدر الواقع موقع الفِعْل، نحو :« شرياً زيداً » هل يتحمّل ضميرً أو لا وقد تقدم.
و « نُقَدِّسُ » عطف على « نُسَبِّحُ » فهو خير أيضاً عن « نحن »، ومفعوله محذوف أي : نقدس أنفسنا وأفعالنا لك.
و « لك » متعلّق به، أو ب « نسبح » ومعناها العلّة.
وقل : زائدة، فإنَّ ما قبلها متعدٍّ بنفسه، وهو ضعيف، إذ لا تُزادَ « اللام » إلا مع تقديم المعمول، أو يكون العامل فرعاً.
وقيل : هي مُعَدِّيَةٌ : نحو :« سجدت لله ».
وقيل : للبيان كهي في قولك :« سُقْياً لك » فعل هذا تتعلّق بمحذوف، ويكون خبر مبتدأ مضمر أي : تقديساً لك.
وهذا التقدير أحسن من تقدير قولهم : أعني؛ لأنه أليق بالموضع. وأبعد من زعم أن جملة « ونحن نسبح » داخلة في حيز استفهام مقدر تقديره : وأنحن نسبح أم نتغير؟ واستحسنه ابن عطية مع القول بالاستفهام المحض في قولهم :« أتجعل » وهذا يأباه الجمهور، أعني : حذف همزة الاستفهام من غير ذكر « أم » المعادلة وهو رأي « الأخفش » وجعل من ذلك قوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] أي : وأتلك نعمة.
وقول الآخر :[ الطويل ]

٣٦٢- طَرِبَتْ وَمَا شَوْقَاً إلى البِيضِ أَطْرَبُ وَلا لَعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يَلِعًبُ
أي : وأذو الشيب؟
وقول الآخر :[ المنسرح ]
٣٦٣- أَفَرِحَ أَنْ أُزْرَأَ الكِرَامَ وَأَنّْ أُورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاَ نَبَلا
أي : أأفرح؟.
فأما مع « أم » جائز لدلالتها عليه؛ كقوله :[ الطويل ]
٣٦٤- لَعَمْرِكَ ما أدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِياً يِسَبْعٍ رَمَيْنَ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانٍ
أي : أبسبع؟
و « التسبيح » : التنزيه والبَرَاءة، وأصله من السَّبح وهو البعد، ومنه السَّابح في الماء، فمعنى « سبحان الله » أي : تنزيهاً له وبراءة عما لا يليق بجلاله ومنه :[ السريع ]
٣٦٥- أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ سُبٍحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
أي : تنزيهاً، وهو مختص بالباري تَعَالى.
قال « الراغب » في قوله : سبحان من عَلْقَمَةَ الفاخر إن أصله : سُبْحَانَ علقمة، على سبيل التهكُّم فزاد فيه « من ».
وقيل : تقديره : سبحان الله من أجل عَلْقَمَة، فظاهر قوله أنه يجوز أن يقال لغير البَارِي على سبيل التهكُّم، وفيه نظر.
و « التقديس » : التَّطهير، ومنه الأرض المقدَّسَة، وبيت المَقْدِس، ورُوح القُدُس؛ وقال الشاعر :[ الطويل ]
٣٦٦- فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بِالسَّاقِ وَالنِّسَا كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَانُ ثَوْبَ الْمُقَدِّسِ
أي : المُطَهِّر لهم.
وقال :« الزمخشري » : هو من قدس في الأرض : إذا ذهب فيها وأبعد، فمعناه قريب من معنى « نسبّح ».


الصفحة التالية
Icon