قوله تعالى :﴿ ق ﴾ قال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - هو قَسَمٌ. وقيل : اسم السورة. وقيل اسم من أسماء القرآن. وقال القرطبي : هو مفتاح اسمه قدير، وقادر، وقاهر وقريب وقابض. وقال عكرمة والضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زُمُرَّدَةٍ خَضْراءَ ومنه : خُضْرَةُ السماء. والسماء مَقْبِيَّةٌ عليه، وعليه كتفاها ويقال : هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنةٍ. وقيل : معناه قضِي الأمر وقضي ما هو كائن، كما قالوا في حم ( حم الأمر )، وفي ص : صدق الله، وقيل هو اسم فاعل من قَفَا يَقْفُوهُ.

فصل


قال ابن الخطيب، لما حكى القول بأن « ق » اسم جبل محيط بالأرض عليه أطواق السماء قال : وهذا ضعيف لوجوه :
أحدها : أن أكثر القراء يقف عليها، ولو كان اسم جبل لما جاز الوقف في الإدراج لأنَّ من قال ذلك قال بأن الله تعالى أقسم به.
وثانيها : لو كان كذلك لذكر بحرف القسم كقوله تعالى :﴿ والطور ﴾ [ الطور : ١ ]، ونحوه؛ لأن حرف القسم يحذف حيث يكون المقسم به مستحقاً لأنْ يُقْسَمَ بِهِ، كقولنا :« اللَّه لأَفْعَلَنَّ كَذَا » فاستحقاقه له يغني عن الدلالة عليه باللفظ ولا يحسن أن يقال : زَيْد لأَفْعَلَنَّ كَذَا.
ثالثها : أنه لو كان كما ذكر لكان يكتب قاف مع الألف والفاء كما يكتب :﴿ عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾ [ الغاشية : ١٢ ]، ويكتب ﴿ أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [ الزمر : ٣٦ ] وفي جميع المصاحف يكتب حرف « ق ».
رابعها : أن الظاهر كون الأمر فيه كالأمر في « ص » و « ن » و « حم » وهي حروف لا كلمات فكذلك في « ق ».
فإن قيل : هو منقول عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) -.
نقول : المنقول عنه : أن قاف اسم جبل، وأما أن المراد ههنا ذلك فَلاَ.

فصل


قال ابن الخطيب : هذه السورة وسورة ص يشتركان في افتتاح أولهما بالحرف المعجم والقسم بالقرآن بعده وقوله بعد القسم : بل والتعجب. ويشتركان أيضاً في أن أول السورتين وآخرهما متناسبات لأنّه تعالى قال في أول السورة :﴿ ص والقرآن ذِي الذكر ﴾ [ ص : ١ ] وفي آخرها :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ ص : ٨٧ ] وقال في أولِ ق :« وَالقُرْآنِ المَجِيدِ »، وقال في آخرها :﴿ فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ]، فافتتح بما اختتم به. وأيضاً في أول ص صرف العناية إلى تقرير الأصل الأول وهو التوحيد لقوله تعالى :﴿ أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً ﴾ [ ص : ٥ ] وفي هذه السورة صرف العناية إلى تقرير الأصل الآخر وهو الحشر فقال تعالى :﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ﴾، فلما كان افتتاح سورة « ص » في تقرير المبدأ قال في آخرها :﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon