قوله تعالى :﴿ والنجم إِذَا هوى ﴾ قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) في رواية الوالبيِّ العَوْفِيِّ يعني الثُّرَيَّا إذَا سقطت وغابت. وهُوِيُّهُ مَغِيبُهُ. والعرب تسمي « الثُّرَيَّا » نَجْماً قال قائلهم :

٤٥٣٨- إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ عِشَاءَا ابْتَغَى الرَّاعِي كِسَاءَا
وجاء في الحديث عن أبي هريرة مرفوعاً : مَا طَلَعَ النَّجْمُ قَطّ وَفِي الأَرْضِ مِنَ العَاهَةِ شَيْءٌ إِلاَّ رُفِعَ.
وأراد بالنجم الثريا. قال شهاب الدين : وهذا هو الصحيح لأن هذا صار علماً بالغلبة ومنه قول العرب :
٤٥٣٩- طَلَعَ النَّجْم غُدَيَّهْ فَابْتَغَى الرَّاعِي كُسَيَّهْ
وقال عمر بن أبي ربيعة :
٤٥٤٠- أحْسَنُ النَّجْم فِي السَّمَاءِ الثُّرَيَّا وَالثُّرَيَّا فِي الأَرْضِ زَيْنُ النِّسَاءِ
يقال : إنها سبعة أنجم ستةٌ منها ظاهرة وواحدٌ خفي يمتحن الناس به أبصارهم. وروى القاضي عِياضٌ في « الشِّفا » أن النبي - ﷺ - كان يرى الثريا أحد عشر نجماً. وقال مجاهد : هي نجوم السماء كلها حين تغرب. لفظه واحد ومعناه الجمع. سمي الكوكب نجماً لطلوعه، وكل طالع نجم، يقال : نَجَم السِّنُّ والقَرْن والنَّبْتُ إذا طَلَعَ. وروى عكرمة عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - أنها ما يرمى به الشياطين عند استراقهم السمع. وقال أبو حمزة الثُّماليُّ : هي النجوم إِذا اسْتَتَرَتْ يوم القيامة. وقيل المراد بالنجم هنا الجِنْس.
قال الشاعر - ( رحمة الله عليه- ) :
٤٥٤١- فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرَةٍ سِرِيع بِأَيْدِي الآكِلينَ جُمُودُهَا
أي تَعُدُّ النجوم. وهذا هو معنى قول مجاهد المتقدم. وقيل : المراد بالنجم الشِّعْرَى؛ لقوله :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى ﴾ [ النجم : ٤٩ ]. وقيل : الزهرة؛ لأنها كانت تُعْبَدُ. وقيل : أراد بالنجم القرآن، لأنه نزل نجوماً متفرقاً في عشرين سنة. وسمي التفريق تنجيماً والمفرق منجماً. قاله الكلبي ورواه عطاء عن ابن عباس. والهويُّ النزول من أعلى إلى أسفل. وقال الأخفش : النجم هو النبت الذي لا ساق له ومنه قوله - عَزَّ وجَلَ - ﴿ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ ﴾ [ الرحمن : ٦ ]. وهُوِيُّهُ سقوطه على الأرض. وقال جعفر الصادق : يعني محمداً - ﷺ - إِذ نزل من السماء ليلة المعراج. والهويُّ النزول، يقال هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا. والكلام في قوله :« والنجم » كالكلام في قوله :« والطُّورِ » حيث لم يقل : وَالنُّجُوم ولا الأَطْوَار وقال :﴿ والذاريات ﴾ [ الذاريات : ١ ] ﴿ والمرسلات ﴾ [ المرسلات : ١ ] كما تقدم.

فصل


السور التي تقدمت وافتتاحها بالقسم بالأشياء دون الحروف هي « الصَّافَّات »، و « الذَّارِيَات » و « الطُّور » وهذه السورة بعدها فالأولى أن يقسم لإثبات الوحدانية كما قال :﴿ إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ ﴾ [ الصافات : ٤ ] وفي الثانية أقسم لوقوع الحشر والجزاء كما قال تعالى :﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ ﴾ [ الذاريات : ٥ و ٦ ] وفي الثالثة لدوام العذاب بعد وقوعه كما قال تعالى :﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon