قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ الآية.
وجه تعلق أول هذه السورة بآخر ما قبلها، هو أن آخر تلك السورة تشتمل على الصفات الجميلة [ اللائقة بحضرة الله - تعالى - من الوحدانية وغيرها ]، وأول هذه السورة يشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات.
قوله :﴿ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾.
هذان مفعولا الاتخاذ.
و « العَدو » لما كان بزنةِ المصادر وقع على الواحد فما فوق.
وأضاف العدو لنفسه تغليظاً في جرمهم.
روى مسلم عن علي - رضي الله عنه - قال :« بعثنا رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد، فقال :» ائْتُوا روضة « خَاخٍ » فإنَّ بِهَا ظعينةً معها كتابٌ فخذُوهُ مِنْهَا « فانطلقنا تُعادي بنا خيلنَا، فإذا نحن بالمرأة، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ولدت إبراهيم بن عبد الرحمن، فقلنا : أخرجي الكتاب، فقالت : ما معي كتاب، فقلنا : لتُخرجنَّ الكتاب أو لنلقينَّ الثياب فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل » مكة « يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ : يا حاطب ما هذا؟ فقال : لا تَعْجَلْ عليَّ يا رسول الله، إني كنت أمرأً ملصقاً في قريش - قال سفيان : يقول : كنت حليفاً - ولم أكن من أنفسها، وكان ممن معك من المهاجرين من له قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسَب أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، فقال رسول الله ﷺ :» أمَا إنَّهُ قَدْ صَدقَكُمْ «، فقال عمر : يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال : إنَّهُ شهد بَدْراً، ومَا يُدْريك لعلَّ اللَّه اطلع على مَنْ شَهِدَ بَدْراً، فقال : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ »، فأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ إلى قوله :﴿ سَوَآءَ السبيل ﴾.
قيل : اسم المرأة سارة من موالي قريش، وكان في الكتاب :« أما بعد، فإن رسول الله ﷺ قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، وأنجز له وعده فيكم، فإن الله وليه وناصره ».
وقيل :« إن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت [ المدينة من مكة ورسول الله ] يتجهز لفتح مكة. قيل : كان هذا زمن الحديبية، فقال لها رسول الله ﷺ أمهاجرةً جئت يا سارة؟ قالت : لا، قال : أمسلمة جئت؟ قالت : لا، قال : فما جاء بك؟ قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهبت الموالي - تعني قُتِلُوا يوم بدر - وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، فقال ﷺ : فأيْنَ أنت عَن شَبابِ أهْلِ مكَّة؟ - وكانت مغنيةً نائحةً قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدرٍ، فحث رسول الله ﷺ بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وحملوها وأعطوها، فخرجت إلى مكة، وأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى، وقال : أعطيك عشرة دنانير، وبُرداً على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل » مكَّة «، وكتب في الكتاب : إن رسول الله ﷺ يريدكم، فخذوا حذركم، فخرجت سارة، ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي ﷺ بذلك، فبعث عليّاً والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي، وفي رواية : عليّاً وعمار بن ياسر، وفي رواية : عليّاً وعماراً وعمراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد، وكانوا كلهم فرساناً، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة » خاخ «، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلُّوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها، فأدركوها في ذلك المكان، فقالوا : أين الكتاب؟ فحلفت باللَّه ما معها كتاب، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع، فقال علي : والله ما كذبنا ولا كذَّبنا وسلَّ سيفه، وقال أخرجي الكتاب وإلا والله لأجرّدنّكِ ولأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها - وفي رواية في حُجزتِهَا - فخلُّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله ﷺ فأرسل إلى حاطب، فقال : هل تعرف هذا الكتاب؟ قال : نعم، وذكر الحديث »