وثانيها : قال السُّدي : إن فرعون رأى ناراً أقبلت من بيت المَقْدِسِ حتى اشتملت على بيوت « مصر »، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون الكَهَنَةَ، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا : يخرج من بيت المقدس من يكون هلاك القِبْطِ على يديه.
وثالثها : أن المنجّمين أخبروا فرعون بذلك.
قال ابن الخطيب : والأقرب هو الأول؛ لأن الذي يُسْتَفَاد من علم التعبير، وعلم النجوم لا يكون أمراً مفصلاً، وإلا قدح ذلك في كون الإخبار عن الغَيْبِ معجزاً، بل يكون أمراً مجملاً، والظاهر من حال العاقل ألاَّ يقدم على مثل هذا الأمر العظيم بسببه.
فإن قيل : إنَّ فرعون كان كافراً بالله فبأن يكون كافراً بالرسل أولى، وإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقدم على هذا الأمر العظيم بسبب إخبار إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلاة والسلام عنه؟
فالجواب : لعلّ فرعون كان عارفاً بالله، وبصدق الأنبياء إلاَّ أنه كان كافراً كفر عِنَادٍ أو يقال : إنه كان شاكًّا متحيراً في دينه، وكان يجوِّز صدق إبراهيم ﷺ فأقدم على ذلك الفعل احتياطاً.
قوله :« وَيَسْتَحْيُونَ » عطف على ما قبله، واصله :« يَسْتَحييُون »، فأعلّ بحذف الياء بعد حذف حركتها، وقد تقدم بيانه فوزنهك « يَسْتَفعُون ».
والمراد بالنِّسَاء : الأطفال، وإنما عبر عنهم بالنساء، لمآلهن إلى ذلك.
وقيل : المراد غير الأطفال كما قيل في الأبناء. ولام « النساء » الظاهر أنها من واو لظهورها في مرادفه وهوك نِسْوَان ونِسْوَة.
وهل « نساء » جمع « نسوة » أو جمع « امرأة » من حيث المعنى؟ قولان، ويحتمل أن تكون ياءً اشتقاقاً من النّسْيَان.
قوله :﴿ وَفِي ذَلِكُمْ بلااء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، و « بَلاَء » مبتدأ. ولامه واو لظهورها في الفعل نحوك بَلَوْتُه ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٥٥ ]، فأبدلت همزة. والبلاء يكون في الخير والشر، قال تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] ؛ لأن الابتلاء امتحان، فيمتحن الله عباده بالخير ليشكروا، وبالشر ليصبروا.
وقال ابن كيسن :« أَبْلاَه وبَلاَه في الخير والشر » ؛ وأَنْشَدَ :[ الطويل ]

٤٧٩ جَزَى الله بِالخَيْرَاتِ ما فعلاَ بِكُمْ وَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ البَلاَءِ الَّذِي يَبْلُو
فجمع بين اللغتين.
وقيل : الأكثر في الخير أَبْلَيْتُهُ، وفي الشر بَلَوْتُهُ، وفي الاختبار ابْتَلَيْتُهُ وبَلَوْتُهُ.


الصفحة التالية
Icon