وفي الآية تقديم وتأخير، ونظمها : وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، وهو محرم عليكم إخراجهم، وإن يأتوكم أسارى تفادوهم فكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسرائهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء، فقال تعالى :﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [ البقرة : ٨٥ ].
وقال مجاهد : يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك.
قوله :« وَهُوَ مُحَرَّمٌ » فيه وجوه.
والظاهر منها : أن يكون « هو » ضمير الشأن والقصّة، فيكون في محلّ رفع بالابتداء، و « محارم » خبر مقدم، وفيه ضمير قائم مقام الفاعل، و « إخراجهم » مبتدأ مؤخر، والجملة من هذه المبتدأ والخبر في محل رفع خبراً لضمير الشأن، ولم تحْتَجْ هنا إلى عائد على المبتدأ؛ لأن الخبر نفس المبتدأ أو عينه.
وهذه الجملة مفسرة لهذا الضمير، وهو أحد المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده وقد تقدّمت، ولسي لنا من الضَّمائر ما يفسَّر بجلمة غيرُ هذا الضمير، ومن شرطه أن يؤتى به في مَوَاضع التَّعْظيم، وأن يكون معمولاً للابتداء أو نواسخه فقط، وأن يفسر بجملة مصرح بجزيئها، ولا يُتبع بتابع من التَّوَابع الخمسة، ويجوز تذكيره وتأنيثه مطلقاً خلافاً لما فصل، فتذكيره باعتبار الأمر والشأن، وتأنيثه باعتبار القصّة فتقول :
« هو زيد قائم »، ولا يثنى ولا يجمع، ولا يحذف إلا في مواضع تذكر إن شاء الله تعالى، والكوفيُّون يسمونه ضمير المَجْهُول، وله أحكام كثيرة.
الوجه الثاني : أن يكون « هو » ضمير الشأن أيضاً، و « محرم » خبره، و « أخراجهم » مرفوع على أنه مفعول لَمْ يسمّ فاعله. وهذا مذهب الكوفيين، وإنما فَرُّوا من الوجه الأول؛ لأن عندهم أن الخبر المحتمل ضميراً مرفوعاً لا يجوز تقديمه على المبتدأ، فلا يقال : قائم زيد على أن يكون « قائم » خبراً مقدماً، وهذا عند البصريين ممنوع لما عرفته أن ضمير الشأن لا يفسّر إلا بجملة، والاسلا المشتق الرافع لما بعده من قبيل المُفْرَدَات لا الجمل، فلا يفسر به ضمير الشَّأن.


الصفحة التالية
Icon